للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الهُجْر- بضم فسكون- وهو الكلامُ القَبيحُ. فأنكرَ الله تَعالى عليهم بقولهٍ [٦٨] : {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} [المؤمنون: ٦٨] لِيَعْلَموا- بِما فيه من وُجوه الإِعجازِ- أنَّه الحَقُّ من ربِّهِم، فيُؤمنوا به {أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون: ٦٨] أي: بَلْ جاءَهُم إلخ. والمقصودُ أنَّ من خصالِ الجاهِلِيَّةِ التكَبُّرَ بسببِ الرِّئاسةِ على المواضعِ المُقَدَّسَةِ، كما هو- اليومَ- حالُ كثيرٍ ممَّن يَدَّعي الشَّرَفَ بسببِ ذلكَ، فمِنهم مَنِ ادَّعى الشرفَ على المُسلِمينَ بسببِ رِئاستِهِ على مكَّةَ والمدينةِ، ومِنهم مَنِ ادَّعاه بسببِ الرِّئاسة في المَشاهِدِ أو مقاماتِ الصَّالحينَ، وهؤلاءِ الذين يَدَّعونَ انتِسابَهم إلى عبد القادرِ الجيلاني في بغدادَ يدَّعون الشَّرَفَ بسببِ رياستِهم على قبرِ عبدِ القادر، واستيلائِهم علىَ النُّذورِ والصَّدَقاتِ والذَّبائح والقرابين الشِّرْكيَّةِ، التي يَتَعَبَّدُها بها جَهَلَةُ المُسلِمين مِنَ الهُنودِ والأكْرادِ ونحوِهِم، وهُمْ (١) أفْسَقُ خَلْقِ الله، وأدْناهم نَفْسًا، وأرْذَلُ خَلْقِ الله مَسْلَكا، فما يفيدُهم ذلك عند الله شَيْئا، وما ينْجيهم مِنْ مَقْتِ الله وعذابه، وإنْ ظَنَّ بِهِمُ العوَامُّ ما ظَنُّوا، فَهم عند الله وعند عبادِهِ الصَّالحينَ أحقرُ من الذَّرّ، وأبعدُهم عن رحمتِهِ يومَ القِيامة.

[الافْتِخار بِكَوْنِهِم مِنْ ذُرِّيَّةِ الأنبياءِ]

الافْتِخار بِكَوْنِهِم مِنْ ذُرِّيَّةِ الأنبياءِ (السابعة والثمانون) : الافْتِخار بِكَوْنِهِم مِنْ ذُرِّيَّةِ الأنبياءِ عليهم السلام. فَرَدَّ الله عليهم بقولِهِ: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة: ١٣٤] هذه الآية في آخِرِ الجُزءِ الأوَّلِ من [سورة البقرة: ١٣٤- ١٤١] وتفسيرُها: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ} [البقرة: ١٣٤] الإِشارةُ إلى إبراهيم صلى الله عليه وسلم وأولاده في قولِهِ [١٣٠] : {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [البقرة: ١٣٠] إلخ. و"الأمَّة" أتَتْ لِمَعانٍ، والمرادُ بها- هنا- الجَماعةُ، مِن "أمَّ "، بمعنى قَصَدَ، وَسُمِّيَتْ كُلُّ جماعة يَجْمَعُهُم أمرٌ ما: إمَّا دِينٌ واحدٌ، أو زمانٌ واحدٌ، أو مكان، بذلك؛ لأنَّهم يَؤُمُّ بعضُهم بعضا، وَيَقْصدُهُ. والخُلُوُّ: المُضِيُّ؛ وأصلُه الانفرادُ. {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: ١٣٤] والمَعْنى: إنَّ انتِسابَكم إليهم لا يوجِبُ انتفاعَكم بأعمالِهم، وإنَّما


(١) أي سدنة المشاهد والقبور.

<<  <  ج: ص:  >  >>