[جهلهم بالجامع والفارق]
جهلهم بالجامع والفارق (الخامسة عشرة) : الاسْتِدلالُ بِالقياسِ الفاسِدِ، وإنكارُ القِياسِ الصَّحيحِ، وجَهْلهمْ بِالجامعِ والفارِقِ. قال تعالى في سورةِ [المؤمنين ٢٤-٢٥] {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ - إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ} [المؤمنون: ٢٤ - ٢٥] وقبل الآية [٢٣] : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} [المؤمنون: ٢٣] شُروعٌ في بيانِ إهمالِ النَّاسِ، وتركِهِم النَّظَرَ والاعتبارَ فيما عَدَّدَ سُبحانَه مِن النِّعَمِ قَبْلَ هذهِ الآية، ومن خلفهم مِن زَوالِها، وفي ذلِكَ تخويفٌ لِقريشٍ، وتقديمُ قصَّة نوحٍ عليه السلام على سائرِ القَصصِ مِمَّا لا يَخفى وجهُهُ، فَقال مُتَعَطِّفا عليهم، ومُسْتَميلا لهُمْ إلى الحَقِّ {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ} [الأعراف: ٦٥] أي: اعْبُدوهُ وحدَه، {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: ٦٥] استئنافٌ مَسوق لِتعليلِ العبادةِ المأمورِ بِها، {أَفَلَا تَتَّقُونَ} [الأعراف: ٦٥] الهَمْزَةُ لإِنكارِ الواقعِ واستقباحِهِ، والفاءُ للعطفِ على مقدَّر يَقْتَضيهِ المَقامُ، أيْ: أتَعْرِفونَ ذلكَ، أي مَضْمونَ قولهِ تَعالى: {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [الأعراف: ٦٥] عَذابَهُ تَعالى الَّذِي يَسْتَوجِبُهُ ما أنْتُمْ عَلَيْهِ مِن تَرْكِ عَبادتِهِ سبحانَه وحْدَه، وإشراككم بِهِ عز وجل في العبادةِ ما لا يَسْتَحِقُّ الوجودَ - لَولا إيجادُ الله إياه- فَضْلا عن اسْتِحقاقِ العبادةِ، فالمُنْكَرُ عدمُ الاتِّقاءِ، مَعَ تَحقُقِ ما يوجبُه، {فَقَالَ الْمَلَأُ} [المؤمنون: ٢٤] أي الأشرافُ {الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ} [المؤمنون: ٢٤] وصِفَ الملأ بالكُفْرِ مَعَ إشْراكِ الكُلِّ فيه للِإيْذانِ بكمال عَراقَتِهِم وشِدَّةِ شَكيمَتِهِم فيهِ، وليسَ المُرادُ مِن ذلكَ إلاَ ذَمَّهُم، دُونَ التَّمَيُّزِ عن أَشْرافٍ آَخَرينَ آمَنوا به عليه السلام أو لم يُؤمِنْ بِهِ أحَدٌ مِن أشرافِهم، كما يُفصِح عنه قولُه: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا} [هود: ٢٧] وهذا القولُ صَدَرَ مِنْهُم لِعَوامِّهِم، {مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [المؤمنون: ٢٤] أي: في الجِنسِ والوصفِ، من غيرِ فرقٍ بَينَكم وبَينَه، وَصَفوهُ عليه السلام بِذلِكَ مُبالَغةً في وضْعِ رتْبَتِهِ العاليةِ، وحَطِّها عن مخصِبِ النُّبَوَّةِ، وَوَصَفوه بقوله سبحانه وتعالى: {يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ} [المؤمنون: ٢٤] إغْضابا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute