ذلكَ ما تراه من الأحكامِ، وإنِّما وظيفتك- حَسْبَما هو شأنُ مَنْصِبِ الرِّسالة- النَّظَرُ إلى ظواهرِ الأمورِ، وإجراءُ الأحكامِ على موجَبِها، وتفويضُ البواطنِ وحسابِها إلى اللطيفِ الخبيرِ، وظواهرُ هَؤلاءِ دعاءُ ربِّهم بالغداةِ والعشيِّ. ورُويَ عن ابنِ زيدٍ أنَّ المعنى ما عليكَ مِن شيْءٍ مِن حسابِ رِزْقِهم، أيْ: مِن فقرِهِم، والمرادُ لا يَضُرُّكَ فقرُهُم شَيْئا لِيَصِحَّ لك الإِقدامُ على ما أرادهُ المشركون مِنكَ فيهم. وقولُهُ:{مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام: ٥٢] عطفٌ على ما قَبْلَهُ، وَجِيءَ بِهِ- مَعَ أنَّ الجوابَ قد تَمَّ بِذَلِكَ- مبالغةً في بيانِ كونِ انتفاءِ حسابِهم عليهِ يَنْظِمُهُ في سِلْكِ ما لا شُبهةَ فيه أصْلا، وهو كون انتفاءِ حسابِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِم، فهو على طريقةِ قوله سُبحانَه [الأعراف: ٣٤، النحل: ٦١]{فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}[النحل: ٦١] وهذا في رأي. وقال الزَّمَخْشَريُّ: "إنَّ الجُملَتَينِ في مَعنى جملةٍ واحدةٍ يُؤَدِّي مُؤَدَّى [الأنعام: ١٦٤، الإِسراء: ١٥، فاطر: ١٨، الزمر: ٧]{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[الزمر: ٧] كَأنّهُ قيلَ: لا تُؤاخَذُ أنتَ ولا هُم بِحساب صاحِبهِ، وحينئذٍ لا بدَّ مِنَ الجُملَتَينِ، وَتُعُقِّبَ بأنَّهُ غيرُ حَقيِق بجلالةِ التَنزيلِ. وقولُهُ:{فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأنعام: ٥٢] جَواب للنَّهْيِ.