قال المصنف رحمة الله تعالى عليه: هذِهِ مَسائِلُ خالفَ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عَلَيْهِ أهلُ الجاهِلِيَّةِ الكِتابِيِّينَ والأمِّيِّينَ، مِمَّا لا غِنى لمُسْلِمٍ عَنْ مَعْرفَتِها. فالضِّد يظهِرُ حُسْنَهُ الضِّدُّ وَبِضدِّها تتميز الأشْياءُ وَأهَمُّ ما فيها وَأشَدُّهُ خَطَرا، عَدَمُ إيمانِ القَلْبِ بِما جاءَ به الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم، فَإِنِ انْضافَ إِلى ذلكَ اسْتِحْسانُ دِينِ الجاهِلِيَّةِ والإِيمانُ بهِ، تَمَّتِ الخَسارةُ والعياذُ باللهِ تعالى، كما قال تعالى [العنكبوت: ٥٢] :. . {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[العنكبوت: ٥٢]
[دعاء الصالحين]
دعاء الصالحين (المسألة الأولى) : أنَّهم يَتَعبَدونَ بإشْراكِ الصَّالِحينَ فِي دعاء اللهِ تعالى وعبادته، وَيَرَوْنَ ذلكَ مِنْ تَعْظيم الصَّالِحينَ الَّذي يُحِبُّهُ الله، ويُريدونَ بِذلكَ شَفاعتَهم عند الله لِظَنِّهِم أنَّهم يُحِبونَ ذلكَ كَما قَالَ تَعَالى في أوائلِ [الزُّمَرِ٢-٣] : {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ - أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}[الزمر: ٢ - ٣] وقالَ تَعالى [يونس: ١٨] : {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}[يونس: ١٨] وهذهِ أعظمُ مسألة خالَفَهم فيها رَسول الله صلى الله عليه وسلم، فَأتى بالإِخلاص، وأخْبَرَهم أنَّه دِينُ الله الَّذي لا يُقْبَلُ مِن أحَدٍ سِواهُ وأنَّ مَنْ فَعَلَ ما يسْتَحْسنونه، حَرَّمَ الله عليه الجَنَّةَ، ومأواه النَّارُ.
وهذه المسألةُ هي الدِّينُ كُلُّهُ، وَلأجْلِها تَفَرَّقَ النَّاسُ بينَ مسلمٍ وكافِرٍ، وعندَها وَقَعَتِ العَداوةُ، ولأجلِها شُرِعَ الجهادُ؛ كما قال تَعالى في [البقرة: ١٩٣] : {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ}[البقرة: ١٩٣]