للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصْلَينِ، سَواءٌ في ذلِكَ تولُدُ الأعيانِ - التي تُسَمَّى الجواهِرَ- وتولد الأعراض والصِّفاتِ، بَلْ وَلاَ يَكونُ تولُد الأعْيانِ إلا بانفصال جُزْءٍ مِن الولدِ، فإِذا امتنعَ أنْ تكونَ لَه صاحِبةٌ، امْتنعَ أنْ يَكونَ لَه وَلَدٌ، وقد عَلِموا كُلُّهُم أنْ لا صاحِبَةَ له لا مِن الملائكةِ، ولا مِن الجِنِّ، ولا مِنَ الإِنْسِ، فلم يَقُلْ أحَدٌ مِنْهُم إنَّ له صاحِبَةً؛ فَلِهذا احْتجًّ بِذلِكَ عَلَيهم.

وما حُكِيَ عَن بعضِ كُفَّارِ العَرَبِ أنَهُ صاهَرَ الجِنَّ، فهذا فيه نَظَرٌ. وذلكَ إنْ كانَ قَدْ قيلَ فهوَ مِمَّا يُعْلَمُ انْتِفاؤهُ مِن وُجوهٍ كَثيرةٍ، وكذلك ما قالَتْهُ النَّصارى مِن أنَّ المَسيحَ ابنُ الله وما قالَه طائفةٌ مِنَ اليهودِ أنَّ العُزَيْرَ ابنُ الله، فإنَّه قد نَفاه سُبحانه بِهذا وَهذا. وتَمامُ الكَلامِ في هذا المَقامِ في كتابِ (الجَوابِ الصَّحيحِ لِمَنْ بَدَّل دِيْنَ المَسيح) و (تَفْسير سورةِ الإِخلاص) وَغَيرِهِما مِن كُتُبِ شيخِ الإِسلامِ تقيِّ الدِّينِ قدس الله روحه.

[تنزيههم المخلوق عما نسبوه للخالق]

تنزيههم المخلوق عما نسبوه للخالق (المسألة الحادية والثلاثون) : تنْزِيهُ المَخْلوقِ عمَّا نَسَبوه لِلخالِقِ مِثل: تَنزيهِ أحبارِهِم عَنِ الوَلَدِ والزوجة لأنهم يَقولونَ: إِنَّ الرَّاغِبينَ في استحصالِ الكَمالاتِ كالرُّهبانِ وأضْرابِهم يَترفَّعونَ عَن أنْ يَتَدَنَّسوا بِدَناءَة التَّمتُّعِ بِالنِّساءِ، اقتِداءً بِالمَسيحِ عليه السلام، فانْظُرْ إلى سَخافةِ العُقولِ وما قادَهُم إليه ضَلالُهم حَتىَّ اعترضوا على سَيِّدنا ومولانا مُحمَّد صلى الله عليه وسلم في زَواجِهِ. وما أحْسَنَ ما قالَ الفاروقِيُّ (١) ردا على بعضِ أحبارِ النَّصارَى بقوله:

قل لِلفرِسْنَلِ قُدْوَةِ الرُّهبانِ ... الجائليق البتْرِكِ الرَّبَّاني

أنتَ الذي زَعَمَ الزَّواجَ نَقيصَةً ... مِمّنْ حَماهُ الله عَنْ نُقْصانِ

ونَسيتَ تَزْويجَ الإِلهِ بِمَرْيَم ... في زَعْمِ كُلِّ مُثَلِّثٍ نَصْراني

ومَن جَعَلَ منَ العَرَبِ الملائكةَ بناتِ الله، كانَ يأْنَفُ مِنْهُنَّ، وسَنَّ وَأْدَهُنَّ وَقَتْلَهُنَّ، وَنَسَبوا لِلَّهِ ما يَكرهونَ. والمقصودُ أنَّ هذهِ المَقالاتِ وأشباهَها مَنْشَؤها الجهلُ بِما جاءَت بِهِ الرُّسُلُ، وَعَدَمُ تَحْكيمِ العَقْلِ، وإِلا فأهلُ البصائِر لا يَتَطَرَّقُ إليهم هذا الخَلَلُ، واللهُ الموَفِّقُ.


(١) عبد الباقي العمري من شعراء العراق في القرن الثالث عشر الهجري.

<<  <  ج: ص:  >  >>