للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأبَوا أنْ يَقْبَلوها. وَرَوى محمَّدُ بنُ إسحاقَ عن محمَّدِ بن جَعفرِ بنِ الزُّبَيرِ قالَ: "نَزَلَت في نَصارى نَجرانَ، وَذَلِكَ أنهم قالوا: إنِّما نُعَظِّمُ المسيحَ، نَعْبُدُهُ حُبًّا لِلَّهِ، وتَعْظيمًا لَهُ، فأنزلَ الله تَعالى هَذِهِ الآية رَدًّا عَلَيْهِم. وَبِالجُمْلَة إن مَنْ تَلبَّسَ بالمعاصي لا يَنْبَغي لَهُ أنْ يَدَّعيَ مَحَبّهَ الله، وَمَا أحْسَنَ قولَ القائلِ:

تعْصي الإِله وأنتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ ... هَذَا لَعَمْرِي في القِياسِ بَديعُ

لو كانَ حُبُّكَ صادقا لأطعْتَهُ ... إِنَّ المُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطيعُ

[تمَنِّيهم على الله تَعالى الأماني الكاذبةَ]

تمَنِّيهم على الله تَعالى الأماني الكاذبةَ (الرابعة والسبعون) : تمَنِّيهم على الله تَعالى الأماني الكاذبةَ. قال تعالى في سورةِ [آلِ عمرانَ: ٢٣-٢٤] : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ - ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [آل عمران: ٢٣ - ٢٤] أخرج ابنُ إسحاقَ وجماعةٌ عن ابنِ عبَّاسٍ قالَ: «دَخَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بيتَ المِدْراسِ على جماعةٍ من يهودَ، فدعاهم إلى الله تَعالى، فقال النُّعمانُ بنُ عمرو والحارثُ بنُ زيدٍ: على أيِّ دينٍ أنت يا محمَّدُ؟ فقال: "عَلى مِلَّةِ إبراهِيمَ ودِينهِ قالا: "فإنَّ إبراهيمَ كان يهوديًّا فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَهَلُمَّا إلى التَّوراةِ، فهي بيننَا وَبينكُمْ، فأيُّنا عليه "، فأنزل الله تَعالى هذه الآية» . وَفِي البَحْرِ: "زَنى رجلٌ مِنَ اليهودِ بامرأةٍ، ولم يكن بعدُ في دِيننا الرَّجمُ، فَتحاكَموا إلى رسُول الله صلى الله عليه وسلم تَخْفيفًا على الزَّانِيَيْنِ لِشَرَفِهِما، فقال رسولُ اللًهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّما أحْكمُ بِكِتابكُم» ، فَأنْكَروا الرَّجمَ، فَجِيءَ بِالتَّوراةِ، فَوَضَع جرهمُ بنُ صُورْيا يَدَهُ عَلى آية الرّجم، فقال عبد اللهِ بنُ سَلامٍ: جاوزَها يا رسولَ الله، فَأظْهَرَها، فَرُجِما، فَغَضبتِ اليهودُ، فَنَزَلَتْ. ومَعنى قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [آل عمران: ٢٤] أيْ: المذكورُ مِنَ التَّوَلِّي والإِعْراضِ حاصِلٌ لَهُم بِسَبَبِ هَذَا القولِ الَّذِي رسخ اعتقاهم به، وَهَوَّنوا بِهِ الخُطوبَ، وَلَمْ يُبالوا معهُ بارْتكابِ المَعاصي والذُّنوبِ. والمُرادُ بِالأيَّامِ المَعدوداتِ: أيَّامُ عِبادتِهم العِجْلَ {وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [آل عمران: ٢٤] أيْ: غَرَّهُم افتِراؤُهم وكَذِبُهُم، أو الَّذِي كانوا يَفْترونَه مِن قَولِهم: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ} [آل عمران: ٢٤] أوْ مِن قولهم: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: ١٨]

<<  <  ج: ص:  >  >>