تمَنِّيهم على الله تَعالى الأماني الكاذبةَ (الرابعة والسبعون) : تمَنِّيهم على الله تَعالى الأماني الكاذبةَ. قال تعالى في سورةِ [آلِ عمرانَ: ٢٣-٢٤] : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ - ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}[آل عمران: ٢٣ - ٢٤] أخرج ابنُ إسحاقَ وجماعةٌ عن ابنِ عبَّاسٍ قالَ: «دَخَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بيتَ المِدْراسِ على جماعةٍ من يهودَ، فدعاهم إلى الله تَعالى، فقال النُّعمانُ بنُ عمرو والحارثُ بنُ زيدٍ: على أيِّ دينٍ أنت يا محمَّدُ؟ فقال: "عَلى مِلَّةِ إبراهِيمَ ودِينهِ "، قالا: "فإنَّ إبراهيمَ كان يهوديًّا"، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَهَلُمَّا إلى التَّوراةِ، فهي بيننَا وَبينكُمْ، فأيُّنا عليه "، فأنزل الله تَعالى هذه الآية» . وَفِي البَحْرِ: "زَنى رجلٌ مِنَ اليهودِ بامرأةٍ، ولم يكن بعدُ في دِيننا الرَّجمُ، فَتحاكَموا إلى رسُول الله صلى الله عليه وسلم تَخْفيفًا على الزَّانِيَيْنِ لِشَرَفِهِما، فقال رسولُ اللًهِ صلى الله عليه وسلم:«إنَّما أحْكمُ بِكِتابكُم» ، فَأنْكَروا الرَّجمَ، فَجِيءَ بِالتَّوراةِ، فَوَضَع جرهمُ بنُ صُورْيا يَدَهُ عَلى آية الرّجم، فقال عبد اللهِ بنُ سَلامٍ: جاوزَها يا رسولَ الله، فَأظْهَرَها، فَرُجِما، فَغَضبتِ اليهودُ، فَنَزَلَتْ. ومَعنى قوله:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}[آل عمران: ٢٤] أيْ: المذكورُ مِنَ التَّوَلِّي والإِعْراضِ حاصِلٌ لَهُم بِسَبَبِ هَذَا القولِ الَّذِي رسخ اعتقاهم به، وَهَوَّنوا بِهِ الخُطوبَ، وَلَمْ يُبالوا معهُ بارْتكابِ المَعاصي والذُّنوبِ. والمُرادُ بِالأيَّامِ المَعدوداتِ: أيَّامُ عِبادتِهم العِجْلَ {وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}[آل عمران: ٢٤] أيْ: غَرَّهُم افتِراؤُهم وكَذِبُهُم، أو الَّذِي كانوا يَفْترونَه مِن قَولِهم:{لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ}[آل عمران: ٢٤] أوْ مِن قولهم: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ}[المائدة: ١٨]