وحاصِلُ هَذِهِ الأبياتِ أنَّ أعْداءَ الحَقِّ وخُصومَ السُّنَّةِ وأضْدادَ الكِتابِ والسنَّةِ يُلقِّبونَ سَلَفَ الأمَّةِ المُتَمَسِّكينَ بِالكِتابِ والسُّنَّةِ بلَقَبِ "الحَشْوِيَّةِ" فالخَواصُّ مِنْهُم يَقْصِدونَ بهَذَا الاسْمِ أن المَسَمَّى بِهِ حَشْوٌ في الوُجودِ وفَضلَةٌ في النَّاسِ، لا يُعْبأ بِهمْ، ولا يُقامُ لَهُمْ وَزْنٌ؛ إذ لَمْ يَتَّبِعوا آراءَهُمُ الكاسِدَةَ، وأفكارَهُمُ الفاسِدَةَ. وأمَّا العَوامُّ مِنْهمْ فَيَظُنّونَ أنَّ تَسْمِيَةَ السَّلفِ بِالحَشْوِيّة لِقَوْلهمْ بِالفَوْقِيةِ، وَكَوْن الإِلهِ في السَّماءِ، بِمَعْنى أنَهُمُ اعْتَقَدوا- وحاشاهُم- أن الله تَعالى حَشْوُ هَذَا الوُجودِ، وأنه داخِلَ الكوْنِ تَعالى الله عَمَّا يَقولُ الظَّالِمونَ عُلُوّا كَبِيرا. وهذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ عَلى أهْلِ الحَدِيْثِ. عَلى أنَّ هذا القولَ لَم يَقُلْ بِهِ أَحَد. وأعداءُ الحَقِّ في عَصْرِنا هَذَا عَلَى هذا المَسْلَكِ الجاهِلِيِّ، فَتَراهُمْ يَرْمونَ كُلَّ مَنْ تَمَسَّكَ بِالكِتابِ والسنةِ بِكُلِّ لَقَبٍ مَذْمومٍ بَيْنَ المُسْلِمينِ، واللهُ المُسْتَعانُ عَلَى ما تَصِفونَ.
[التكذيب بالحق]
التكذيب بالحق (السادسة والخمسون) : افْتِراء الكَذِبِ عَلى الله، والتَّكذيبُ بِالحَقِّ. وَشواهِدُ هَذه المَسألة مِنَ الكتابِ والسُّنَّةِ كثيرٌ، وهذا دَأَبُ المُخالِفينَ لِلدِّين المُبينِ، كاليهودِ والنَّصارى، يَدَّعونَ أنَّ ما هُمْ عَلَيْهِ هو الحَقُّ، وأنَّ الله أَمَرَهُم بِالتَّمَسُّكِ بهِ، وأَنَّ الدِّينَ المُبينَ ليس بِحَقٍّ، وأنَّ الله تَعالى أمَرَهُم بِتكْذيبِهِ، كُلُّ ذَلِكَ لاتِّبَاعِ أَسْلافِهِم، لا يَنْظُرونَ إلى الدَّليلِ، وهكذا أهلُ البدَع والضَّلالاتِ يَعْتَقدونَ بدَعَهُم الحَقَّ، وأنَّ الله أمَرَهُم بِها، وأنَّ ما عَلَيْه أهلُ الحَقّ مُفْتَرىً، لا يُصَدِّقونَ بِهِ.
وكُلٌّ يَدَّعي وَصلا للَيْلى ... وَلَيْلى لا تُقِرُّ لَهُمْ بِذاكا
[الافتراء على المؤمنين]
الافتراء على المؤمنين (السابعة والخمسون) : رمْيُ المُؤمِنينَ بِطَلَبِ العلوِّ في الأرض. قَالَ تَعالى في سورةِ [يُوْنُسَ: ٧٨] : {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ}[يونس: ٧٨] هذا الكلامُ مَسوقٌ لبَيانِ أنَّ موسى عليه السلام أَلْقَمَهُمُ الحَجَرَ، فانْقَطَعوا عن الإِتيانِ بِكلامٍ لَهُ تَعَلُّقٌ بكلامِهِ عليه السلام فَضلا عَن الجَوابِ الصَّحيح، واضْطُرُّوا إلى التَّشَبُّثِ بِذَيْلِ التقليدِ الذي هو دَأَبُ كُلِّ عاجِزٍ محْجوج، وَدَيْدَنُ كلِّ معالج لَجوجٍ. على أنَّه اسْتِئْناف وَقَعَ جَوابا عَمَّا قَبْلَه مِن كلامه عليه السلام على طَريقَةِ: قال موسى، كأنه قِيلَ: فَماذا قالوا لِموسى عليه