الذبح عند القبور (التاسعة والسبعون) : الذَّبْحُ عندَ القُبورِ. قال الله تَعالى [الأنعام: ١٦٢-١٦٣] : {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}[الأنعام: ١٦٢ - ١٦٣] أمَرَهُ الله تَعالى أنْ يُخْبِرَ المُشرِكينَ الذين يَعبدونَ غيرَ الله، ويَذبحونَ لَهُ، أي أنه أخلصَ لِلَّهِ صلاتَه وذبيحتَه؛ لأنَّ المُشرِكينَ يَعبدونَ الأصنامَ ويذبحونَ لَها، فَأمَرَهُ الله تعالى بِمُخالَفَتِهِم، والانحرافِ عمَّا هُم فيه، والانقيادِ بالقَصْدِ والنِّيّةِ والعزمِ على الإِخلاصِ لِلَّهِ تَعالى، فَمَن تَقَرَّبَ لغيرِ الله تعالى لِيَدفَعَ عنه ضَيرا، أو يَجْلِبَ لَه خَيرا، تَعظيما لَهُ، مِن الكُفْرِ الاعتقاديِّ والشِّرك الذي كان عليه الأوَّلون. وسببُ مشروعيَّةِ التّسَميَةِ تخصيصُ مِثلِ هذه الأمورِ العِظامِ بالإِلهِ الحَقِّ المعبودِ العلامِ، فإذا قُصِدَ بالذَّبحِ غيرُه، كان أولى بالمنعِ. وَصَحَّ نهيُهُ صلى الله عليه وسلم عَمَّنِ اسْتأْذَنَهُ بالذَّبحِ بِبُوانَةَ، وأنه قد نَذَر ذَلِكَ، فقال له صلى الله عليه وسلم: «أكانَ فيها صَنم؟ "، قَالَ: "لا"، قال: "فَهَل كان فيها عِيد مِن أعيادِ المُشرِكِينَ؟ "، قال: " لا"، قال: "فأوْفِ بنذرِكَ» . أخرج ذلك أبو داودَ في سُنَنِهِ. وهذا السَّائلُ مُوَحِّد مُقَرِّبٌ لِلَّهِ سبحانَه وتعالى وحْدَه، لَكِنِ المكان الذي فيه معبود غيرُ الله، وَقَدْ عُدِمَ، أو مَحَلٌّ لاجْتِماعِهِم يَصْلُحُ مانِحًا، فلَمَّا عَلِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ لَيَسْ هناك شَيء مِن ذَلِكَ، أجازَهُ، وَلَو عَلِمَ شَيْئًا مِمَّا سألَ عنه، لَمَنَعَهُ، صِيانَةً لحِمى التَّوحيدِ، وَقَطْعًا لذَريعَةِ الشِّركِ. وَصَحَّ- أيْضا- عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قَالَ: «دَخَلَ الجَنَة رَجُلٌ في ذُباب، وَدَخَلَ النَّارَ رَجل في ذُباب "، قالوا: كيف ذلك يا رسولَ الله؟