للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عادَةٌ كانتْ لِقُريشٍ، كَما ذُكِرَ في سورةِ الإِيلافِ. والمقصودُ أنَّه لا يَنبغي للتَّاجر أنْ يَفْتَخِرَ بِتِجارته على أهل الحرث، ولا أهلِ كلِّ حِرفةٍ على المُحْتَرفينَ بِحِرْفَةٍ أخْرى، فإنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنَ المكاسِبِ الدُّنْيَويَّةِ التي يَوَصَّلُ بها إلى عِبادةِ الله، وطاعتِه، وامتثالِ أوامرِه، واجتنابِ نواهِيهِ، لِيتوَصَّلَ بِذَلِكَ إلى النَّجاةِ الأبديَّةِ، وهي مدارُ الفخرِ. وأمَّا ما سِوَى ذَلِكَ فَكُلُّهُ ظِلٌّ زائِلٌ ونَعيمٌ غيرُ مُقيمٍ، فلا يَنبغي لِلعاقِلِ أنْ يَفْخَرَ بِزَخارِفِ الدُّنيا الدَّنيئَةِ، ولا يَعْلَمُ مَتى يُفارِقُها. نَسأله تَعالى التوفيقَ، والعملَ الصالحَ الذي يُرضِيهِ.

[عظمة الدنيا في قلوبهم]

عظمة الدنيا في قلوبهم (التاسعة والثمانون) : عَظَمَةُ الدُّنيا في قُلوبِهم. كَقَولهم: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف: ٣١] أيْ: مِن خِصال الجاهلية مُراعاةُ الدُّنْيا، وعَظَمَتها في قُلوبِهم، كَما حَكى الله عنهم ذلكَ بقوله: {وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ - وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ - أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: ٣٠ - ٣٢] هذه الآية في [الزخرف: ٣٠-٣٢] ، وَمَوْضِعُ الاسْتِشهادِ فيها قولُه: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف: ٣١] المُرادُ مِنَ القَريتينِ: مكَّةُ والطَّائفُ. قال ابنُ عبَّاسٍ: "الذي مِن مكَّةَ: الوليدُ بنُ المُغيرةِ المَخزوميُّ، والذي مِن الطَّائفِ: حَبيب بنُ عمرِو بنِ عُمَيرٍ الثقَّفيُّ، وكُلّ مِنهما كان عَظيما، ذا جاهٍ ومالٍ، وكان الوليدُ بنُ المغيرةِ يُسَمَّى "رَيْحانةَ قريشٍ "، وكانَ يقولُ: لو كانَ ما يقولُ محمَّدٌ حقّا لَنَزَلَ عَليَّ أو على أبي مَسعودٍ، يعني عُروةَ بنَ مسعودٍ، وكان يُكنى بِذَلِكَ. وهذا بابٌ آخَرُ من إنكارِهِم للنُّبُوَّةِ، وذَلِكَ أنَّهم أنكَروا أوَّلا أنْ يكونَ النَّبِيُّ بَشَرا، ثُمَّ لَمَّا بُكِّتوا بِتكريرِ الحُجَجِ، ولم يَبْقَ عندهم تصوُّرُ رَواجِ لِذَلِكَ، جاءوا بالإِنكارِ مِن وجهٍ آخَرَ، فَحَكَموا على الله سُبحانه أنْ يَكونَ الرَّسولُ أحَدَ هذينِ. وقولُهُم: {هَذَا الْقُرْآنُ} [الزخرف: ٣١] ذِكْرٌ لهُ على وَجهِ الاسْتِهانة،

<<  <  ج: ص:  >  >>