النَّاسِ أنَّ ما كان [إنما هو] من فعلِ ربِّ الأرضِ والسَّماءِ. وهكذا النَّوحُ على الأمواتِ، فقد اتَّخَذَهُ كثيرٌ مِن النَّاسِ مِن أفضلِ الأعمال، وسببِ الوصولِ إلى مَرضاةِ ذي الجَلالِ، لا سِيَّما مَن اتَّخَذَ المآتِمَ الحُسَيْنيَّةَ في كلِّ عامٍ، فهناك مِنَ البدَعِ ما تكَلُّ عن نَقْلِه ألسنةُ الأقلامِ، والويلُ كل الويلِ لِمَن أنْكَرَ شَيْئا مِن ذَلِكَ، فإنَّهَم يُورِدونَه مَوارِدَ العَطَبِ والمَهالِكِ، والأمر لِلَّهِ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ.
[تعيير الرجل بفعل أمه وأبيه]
تعيير الرجل بفعل أمه وأبيه (الخامسة والثمانون) : تعْيِيرُ الرَّجُلِ بِفِعْلِ غَيرِهِ، لا سيَّما أبوه وأمّه. فَخالَفَهم صلى الله عليه وسلم، وقالَ:«أعَيَّرْتَهُ بأمِّهِ؟ إنَّكَ امرؤ فيكَ جاهِلِيةٌ» . والحديثُ في صحيح الإِمامِ البخاريِّ في بابِ "المعاصي مِن أمرِ الجاهِلِيَّةِ، ولا يَكْفُرُ صاحبُها بارْتكابِها إلا بالشِّركِ لِقولِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم:«إنَّكَ امرؤ فيكَ جاهِلِيّةٌ» ، وقول الله تَعالى في سورة [النِّساءِ: ٤٨] : {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء: ٤٨] وهذا البابُ في كتابِ الإِيمان من صحيحِه، ثُمَّ قَالَ: "حَدَّثَنا سُليمانُ بنُ حَرْب، قالَ: حَدَّثَنا شُعْبَةُ عن واصلٍ عن المَعْرورِ، قال: لَقِيتُ أبا ذَر بالرَّبَذَةِ، وَعَلَيْهِ حُلَّة وعلى غلامِهِ حُلَّة، فسألتُهُ عن ذلكَ، فقالَ: «إني سابَبْتُ رَجلا، فَعَيَّرْتُهُ بأمِّهِ، فقالَ لي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"يا أبا ذرٍّ، أعَيَّرْتَهُ بأمِّهِ؟! إنَّكَ امرؤ فيكَ جاهِليةٌ، إخوانكُم خولُكُم، جعَلَهُمُ الله تَعالى تحتَ أيديِكُم، فمَن كان أخوه تحتَ يدِهِ، فَلْيطعِمْهُ مِمَّا يأكلُ، ولْيلبِسْهُ مِمَّا يلبسُ، ولا تكلِّفوهُم ما يغلِبُهم، فإن كلَّفْتُموهم، فأعينوهم» . وقد أطْنبَ شُرَّاحُ الحديثِ في شرحِهِ، وليس هذا موضع اسْتقصائِهِ، والمقصودُ منهُ أن تَعْييرَ الرَّجُلِ بِفعْلِ غيرِه ليس من شأنِ كاملِ الإِيمانِ والمعرفةِ، فإنَّ أبا ذر رضي الله تعالى عنه قَبْلَ بُلوغِهِ المَرْتَبَةَ القُصْوى مِنَ المعرفةِ تَسابَّ هو وبلال الحَبَشيُّ المُؤَذِّنُ، فقالَ لَهُ: "يا ابنَ السَّوداءِ"، فَلَمَّا شَكا بلال إلى رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قال لَهُ: «شَتَمْتَ بِلالا، وعَيَّرْتَهُ بسوادِ أمِّهِ! "، قال:"نَعَمْ"، قال: "حَسِبْتُ أنَّهُ بقِيَ فيكَ