تعبدهم بالمكاء والتصدية (السادسة والستون) : تعَبُّدهمْ بِالمُكاءِ وَالتَّصْدِيَةِ. قال تعالى في سورةِ "الأنفالِ"[٣٥] : {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}[الأنفال: ٣٥] تفسيرُ هذه الآية: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ}[الأنفال: ٣٥] أيْ: المسجِدِ الحرامِ، الذي صَدُّوا المسلمينَ عنهُ، والتَّعبيرُ عنه بِالبيتِ للاختصارِ مَعَ الإِشارةِ إلى أنَّه بيتُ الله، فينبغي أنْ يُعَظَّمَ بِالعِبادةِ، وَهُمْ لمْ يَفْعَلوا. {إِلَّا مُكَاءً}[الأنفال: ٣٥] أيْ: صَفِيرا. {وَتَصْدِيَةً}[الأنفال: ٣٥] أيْ: تَصفيقا، وهو ضربُ اليدِ باليدِ بِحَيثُ يُسْمَعُ له صوتٌ. والمرادُ بالصَّلاةِ: إمَّا الدُّعاءُ، أو أفعال أُخَرُ كانوا يفعلونها، ويُسمونها صلاةً، وحُمِلَ المُكاءُ والتَّصديةُ عليها بتأويلِ ذلك بأنَّها لا فائدةَ فيها، ولا معنى لها، كَصَفيرِ الطُيورِ، وتصفيقِ اللعِبِ. وقد يُقالُ: المُرادُ أنَّهم وَضَعوا المُكاءَ والتّصَديةَ موضعَ الصَّلاةِ التي يَليقُ أنْ تَقَعَ عند البيتِ. يُروى أنَّهم كانوا إذا أرادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أن يُصَلِّيَ، يَخْلِطونَ عليه بالصفيرِ والتَّصفيق. ويروى أنهم يصلون أيْضا. وَيرون أنَّهم كانوا يَطوفونَ عُراةً: الرِّجالُ والنِّساءُ مُشبكينَ بين أصابِعِهم، يُصَفرونَ فيها، وَيُصَفِّقونَ. وباقي الآية معلوم. والمقصودُ أنَّ مِثل هذه الأفعالِ لا تكونُ عِبادةً، بَلْ مِن شعائرِ الجاهِلِيَّة. فما يَفعَلُه اليومَ بعضُ جهلة المسلِمينَ في المساجدِ مِن المُكاءِ والتَّصدية يَزعُمونَ أنَّهم يَذكُرون الله، فهو مِن قَبيلِ فِعلِ الجاهِلِيةِ، وما أحْسَنَ ما يقولُ القائلُ فِيْهِم:
أقالَ الله صفِّقْ لي وَغَنِّ ... وَقلْ كُفْرًا وسَمِّ الكُفْرَ ذِكْرًا؟
وَقَدْ جَعَلَ الشَّارعُ صوتَ المَلاهي صوتَ الشَّيطانِ، قال تعالى [الإسراء: ٦٤] :