الإسلام على أبدانهم، ولم ينفذ منه شيء إلى وجدانهم، وكثير منهم كان يحمل إلهه معه يعبده في خلوته ويصلي مع الجماعات لتمكين سلطته. . .] منذ تلك الأزمان وجزيرة العرب مهملة: لا تعنيها الدولة، ولا تستعين بها. وكانت نتيجة ذلك أن "الجاهلية" عادت إلى جزيرة العرب واستقرت فيها قرونًا طويلة.
ثم ظهر في صميم جزيرة العرب رجل عظيم لا يزال حقه على المسلمين مهضومًا فيهم، وأعني به الرجل المصلح، داعية العرب والمسلمين للرجوع إلى فطرة الإسلام الأولى، شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب مؤلف أصل هذا الكتاب، هذا الرجل نظر فيما عليه سكان جزيرة العرب في زمنه فرآهم في حالة سوء: العصبية الجاهلية كالتي نهى عنها هادي البشر (محمد) صلى الله عليه وسلم، ودعاء غير الله كالذي جاء صلى الله عليه وسلم لاستئصال جرثومته، والاحتيال بمختلف الأسباب للابتعاد عن الحق والهدى كالذي كان قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم، ثم التقاطع والتفرق، والتواصي بالباطل دون الحق، والاعتداء على حق الغير، والعطالة، والكسل، والخرافات والأوهام، والضغينة، والفوضى، والقذارة، والمكر، والخداع، وعدم الانقياد للنظام بحيث كان كل رجل أمة وحده. هذه أمراض رآها مؤلف أصل هذا الكتاب موجودة في قومه وفي بلاده، ورأى السنة المحمدية تدور حول تطهير الإنسانية من هذه الشوائب، فقال في نفسه: - إذن نحن في مثل ما كان عليه أهل الجاهلية!
حينئذ عاهد ربه على أن يعلن الحرب على هذه الأمراض، وأن يداويها بالطب النبوي من كتاب الله وسنة رسوله.
قلت إنه كان رجلا عظيما، لأنه ثبت في جهاده إلى أن لقي ربه، فحول الله تلك الأوطان العربية على يده وبطريقته من أخلاق الجاهلية وأطوارها إلى أمة تقيم الصلاة ساعة الدعوة إليها، وتؤتي الزكاة عند استحقاقها، ولا يشهد رمضان فيها ما يشاهده في مصر والشام والعراق من فضائح، ويحجون بقلوب لا متسع فيها لغير الإيمان بالله، وكل رجل منهم عنده كفنه يحمله مع سلاحه إذا ناداه الإمام للجهاد.