مِنْ أكْفَرِ الكُفَّارِ وأظْلَمِ الظَّالِمينَ، قال تَعَالى [الأنعام: ٩٣] : {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [الأنعام: ٩٣] وَقَالَ تَعالى [الزمر: ٣٢] : {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ} [الزمر: ٣٢] وَقَالَ تَعالى [العنكبوت: ٦٨] : {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ} [العنكبوت: ٦٨] وَقَالَ تَعالى [الأنعام: ١٤٤] : {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: ١٤٤] ومَنْ كانَ كَذَلِكَ، كانَ الله يمقته، ويُبغضُه، ويُعاقِبُه، ولا يَدومُ أمرهُ، بَلْ هو كما قالَ النَّبي صلى الله عليه وسلم في الحديثِ الصَّحيح عن أبي هريرةَ قالَ: «إنَّ الله يُمْلي لِلظَّالِم، فَإِذا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ "، ثُمَّ قَرَأ [هود: ١٠٢] : {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: ١٠٢] » ، وقال- أيْضا- في الحديث الصحيحِ عن أبي موسى أنَّه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَثلُ المُؤْمِنِ كَمَثلِ الخامَةِ مِنَ الزَّرعِ، تفيؤُها الرِّياحُ، تُقيمُها تارة وتُميلُها أخْرى، وَمَثلُ المُنافِقِ كَمَثلَ شَجَرَةِ الأرْزِ، لا تَزالُ ثابِتةً عَلى أصلِها، حَتّى يكونَ انْجِعافُها مرَّةً واحدةً» . فالكاذبُ الفاجِرُ وإنْ عَظُمَتْ دَولتُهُ، فلا بُدَّ من زوالِها بالكُلِّيَّة، وبقاءِ ذَمِّهِ ولِسانِ السَّوْءِ لَه في العالَمِ، وهو يَظْهَرُ سَريعا، ويَزولُ سَريعا، كَدَوْلة الأسودِ العنسيِّ، ومُسَيْلَمَةَ الكذَّابِ، والحارِثِ الدِّمَشقيِّ، وبابِكِ الخُرَّمِيِّ ونحوِهِم. وأمَّا الأنبياءُ، فإنِّهم يُبْتَلونَ كثيرًا لِيُمَحَّصوا بالبَلاءِ، فإنَّ الله تَعالى يُمَكِّنُ لِلْعَبْدِ إذا ابْتلاهُ، ويُظْهِرُ أمرَه شَيْئا فشيئا، كالزَّرع، قال تَعالى [الفتح: ٢٩] : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} [الفتح: ٢٩] (أي فراخَهُ) {فَآزَرَهُ} [الفتح: ٢٩] (أي قَوَّاه) {فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: ٢٩] ولِهذا كان أولى مَن يَتَّبِعُهُمْ ضُعفاءُ النَّاسِ بِاعْتِبارِ هذه الأمورِ. وسُنَّةُ الله في أنبياءِ الله وأوليائِه الصَّادقين وفي أعداء الله والمُتنبِّئين الكذَّابين مِمَّا يوجِبُ الفرقَ بين النَّوعَين، وبَيْنَ دَلائِلِ النَّبِيِّ الصَّادقِ ودَلائِل المُتنبي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute