شُفعاؤُكم عِندَ الله تَعالى يومَ القيامِة، إلى غير ذلك من الأقوالِ المتخالفةِ فيما كُلفوا بالإيمانِ به. وقولُهُ: {يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} [الذاريات: ٩] أيْ: يُصْرَفُ عَنِ الإِيمانِ بِما كلِّفوا الإِيمانَ به. {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} [الذاريات: ١٠] أيْ: الكذَّابونَ مِنْ أصحابِ القولِ المُخْتَلِفِ. {الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} [الذاريات: ١١] الغَمرةُ: الجَهلُ العظيمُ يَغْمرُهُم وَيَشْمَلهُم شمولَ الماءِ الغامرِ لِما فِيْهِ، والسَّهو: الغَفْلَةُ. وقال تَعالى في أواخر سورةِ [الأنعام: ١٥٩] : {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام: ١٥٩] هذه الآية استئنافٌ لبيانِ أحوالِ أهلِ الكتابَيْنِ إثْرَ بيانِ حال المشركين، بناءً على ما رُويَ عن ابنِ عبَّاسٍ وقتادةَ: أنَّ الآية نَزَلَت في اليهودِ والنَّصارى. أيْ: بَدَّدوا دِينَهم، وبعَّضوه، فتمسَّكَ بِكُلِّ بعضٍ منه فرقةٌ منهم. {وَكَانُوا شِيَعًا} [الأنعام: ١٥٩] أيْ: فِرَقا تُشايعُ كُلُّ فِرْقَة إماما، وَتَتْبَعُهُ، أيْ: تُقَوِّيهِ، وَتُظْهرُ أمْرَهُ. أخرجَ أبو داودَ والتِّرْمِذِيُّ عن أبي هُرَيْرَةَ قال، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «افْتَرَقَتِ اليهودُ على إحْدى وسَبْعينَ فِرْقَةً، كُلّهم في الهاوِيَةِ إلا واحدةً، وافْتَرَقَتِ النصَّارى على ثِنتيْنِ وسَبْعينَ فِرْقَةً، كُلُّهُم في الهاويةِ إلا واحدةً، وَسَتَفْتَرِقُ أمَّتي على ثَلاثٍ وَسَبْعينَ فِرْقةً، كُلُّهُم في الهاوِيَةِ إلا واحدةً» . واستثناءُ الواحدةِ مِن فِرَقِ كُلٍّ مِن أهلِ الكِتابَيْنِ إِنَّما هو بالنَّظَرِ إلى العَصْرِ الماضي قَبْلَ النَّسْخِ، وأمَّا بَعْدَهُ؛ فالكُل في الهاوِيَة، وإِن اختَلَفَتْ أسبابُ دُخولهم. {لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: ١٥٩] أيْ: مِنَ السُّؤالِ عَنهم، والبَحثِ عَن تفَرُّقِهِمْ، أو من عِقابِهمْ، أَو أَنتَ بَريء مِنْهم. {إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ} [الأنعام: ١٥٩] تَعْليلٌ للنَّفي المذكورِ، أيْ: هو يَتَولَّى وَحْدَهُ أمرَهم: أُولاهُمْ وأُخْراهُمْ، وَيُدَبِّرُهُ حَسْبَما تَقْتَضَيهِ الحِكْمَةُ. ومِنَ النَّاسِ مَنْ قَال: المُفَرِّقونَ: أهْلُ البِدَعِ مِنْ هذه الأمَّة: فقد أخرج الحَكيمُ الترمِذِيُّ وابنُ جَريرٍ والطَّبَرانيُّ وغيرُهم عن أبي هُرَيرةَ عَن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله سُبْحانه: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا} [الأنعام: ١٥٩] إلخ: «هُمْ أهْلُ البِدَعِ والأهْواءِ مِن هذِهِ الأمَّة» فَيكونُ الكلامُ- حِيْنَئِذٍ - استِئْنافا لِبَيان حال المُبْتَدِعينَ، إثْرَ بَيانِ حالِ المُشْرِكينَ، إشارةً إلى أنّهم ليسوا مِنْهم بِبَعيدٍ.
والمقصودُ أنَّ أهلَ الجاهلية سواء كانوا أُمِّيِّينَ أوْ كِتابِيِّينَ قد فَرَّقوا دينَهم، وتَغايَروا في الاعتقادِ، فكانَ عُبَّادُ الأصنامِ كُلُّ قَومٍ لَهُم صَنَمٌ يَدينونَ لَهُ، وَلَهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute