للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بسم الله الرحمن الرحيم

[مقدمة]

الحمد لله الذي شرح صدورنا بالكتاب والسنة أصل الإسلام وجماع الدين، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمة ونعمة وهدى للعالمين، أرسله الله إلى الناس بقرآن يتلى هداية ونورا: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} ١ وسنة تروى بيانًا لهذا القرآن: تفصل مجمله، وتوضح مبهمه، وتكشف للناس ما خفي منه، وتضيف إليه كثيرا مما لم يرد فيه، فهدى الله أناسًا إلى اتباع سنته، ووفقهم لخدمتها بحفظها وروايتها وأرشدهم إلى تنقيتها والدفاع عنها، وسخرهم لجمعها وتدوينها ونشرها، ثم جند لها من العلماء من يسر تداولها وقرب جناها، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه صلاة وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم الدين:

وبعد: فقد رأيت العلماء منذ فجر الإسلام قد بلغت عنايتهم بالقرآن الكريم درجة تفوق الوصف، وكان لكل منهم في ذلك منهجه الذي تميز به، فمن مفسر يبين أسلوبه ويوضح غريبه، إلى شارح يجلي آياته ويربط سوره، ويذكر أسباب نزوله، ومن مهتم بقراءاته وتوجيه رواياته، إلى معنى بإعراب جمله وبيان مفرداته، ومن بليغ يحرص على إبراز بيانه ومعانيه، إلى فقيه يلتمس أدلة الأحكام فيه.

ولم تكن هذه العناية بالقرآن أمرًا غريبًا من المسلمين، فإنه الكتاب الذي نزل على نبيهم، وإنه الهدى بعد الضلال، والعز بعد الذل، والغنى بعد الفقر، وإنه -فوق ذلك- النور الذي أضاء حياتهم، ووضع به الله أقدامهم على الطريق: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} ٢.

أما السنة، فإنها وإن وجدت على مدى العصور، من يهتم بأمرها ويعنى بشأنها، إلا أنها لم تبلغ في ذلك مبلغ القرآن الكريم، وقد كانت جديرة بذلك؛ لأنها تناولت بالشرح والتفصيل كل أمور الدين، ولأنها المرآة الصافية لحياة النبي صلى الله عليه وسلم وحياة آله وصحبه، وبقدر ما يتمثل المؤمنون في نفوسهم هذه الحياة الكريمة أسوة واقتداء تكون درجتهم من صدق الإيمان واليقين، ولأن ما تلقيناه من السنة عن السابقين كان من الغزارة بحيث بلغ مئات الألوف من الأحاديث.


١ سورة هود من الآية: ١.
٢ سورة الشورى الآيتان ٥٢، ٥٣.

 >  >>