للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الباب الأول: أعلام المحدثين في مصر منذ الفتح الإسلامي حتى سقوط بغداد]

[مدخل]

...

أعلام المحدثين في مصر:

تمهيد:

نقصد بالعلم ذلك العالم الفذ الذي يؤمه الناس لما عنده من معازف، وقد أصبح فيما بينهم منارة يهتدي بها الحائرون، وعلمًا يلتف حوله الدارسون، يفيض عليهم من علومه، وينفعهم بدروسه وأماليه ومدوناته.

ونعني بالمحدث من له عناية بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم رواية أو دراية، دراسة أو تعليمًا، أو جمعًا وتصنيفًا، أو تدوينًا وتأليفًا.

وإذا كنا في هذا الباب بصدد الترجمة لأعلام المحدثين في مصر فإنما نريد بهم هؤلاء الذين كانوا أئمة في الحديث وعلومه في هذه البلاد، ممن كان يرجع إليهم الكثير في التلقي منهم والأخذ عنهم، والانتفاع بهم فيما نقلوه إلى من عاصرهم أو جاء بعدهم، عن طريق الرواية أو التدريس، أو الإملاء أو التدوين، أو غير ذلك من طرق التحمل والأداء.

وأول هؤلاء صلة بنبي الإسلام صلوات الله وسلامه عليه هم الصحابة رضوان الله عليهم، وقد اقترن وجودهم في مصر بالفتح الإسلامي لها عام عشرين، ومنذ ذلك الحين بدأت في مصر رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولا بد أن نشير هنا إلى فتح مصر وما اقترن به من الظروف والملابسات، لما له من أثر في وضع النواة التي أثمرت فيما بعد مدرسة الحديث في مصر.

ذلك أن الفتوح التي ظفر بها المسلمون في الشام، وانتصارهم الحاسم في موقعة اليرموك جعل أعناقهم تشرئب، ونفوسهم تتطلع إلى توسيع رقعة الإسلام، والتدرج في تلك الفتوح التي كان لا بد منها لحماية حدود الدولة الإسلامية، وتثبيت ملكهم فيما وصلوا إليه من البلاد المجاورة.

وكان من أقوى ما أعانهم على التفكير في فتح مصر ما كان فيها من تفكك سياسي أدى إليه وقوع الخلاف المذهبي بين الحكام من الرومان والقبط من أهل مصر، وقد تم ذلك العون بما عود الله به المسلمين من نصرهم على الأعداء ما دام جهادهم في سبيل نصرة العقيدة وإعلاء كلمة الله.

ففي العام الثامن عشر للهجرة، سار عمرو بن العاص على رأس جيش قوامه أربعة آلاف، حتى وصل إلى بلبيس بعد استيلائه على الفرما، وكان قتال عنيف بعد حصار دام شهرًا كانت نهايته هزيمة منكرة لجيش الروم الذي يربو على اثني عشر ألفًا من المقاتلين.

<<  <   >  >>