للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الثاني: أعلام المحدثين في مصر منذ سقوط بغداد إلى نهاية القرن الثامن الهجري]

تمهيد:

في أواخر حكم العباسيين ضعف سلطان الخلفاء على أطراف الدولة الإسلامية، واستقل كل والٍ بما تحت إمرته في ولايته، ولم يعد للخليفة أي نفوذ على الولاة، ولم يبق لهؤلاء ما يربطهم بالخليفة سوى مجرد ذكر اسمه كرمز للخلافة، والدعوة له على المنابر في خطبة الجمعة في أحسن الأحوال.

ثم انتهى الحال بالخلافة الإسلامية إلى الضعف والتخاذل، وبدأ الوهن يتسرب إلى هذا الجسد الكبير.

ففي مصر١ كانت قلاقل وفتن، وكان خلع وعزل للملوك، وتسلط لملوك آخرين لا يلبثون بعد ذلك أن يعزلوا، ثم يتولى السلطة غيرهم حيلة أو بطشًا، ثم تكون النتيجة فسادًا في الحكم والأمن والسياسة، وفوضى في كل نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية، واضطرابًا في أحوال الناس في كل مكان.

لقد مات الملك الصالح صلاح الدين يوسف بن أيوب سنة إحدى وخمسين وستمائة، وتولى بعده ابنه توران شاه لمدة لم تطل ثم قتل، فخلفته شجرة الدر أم خليل لمدة ثلاثة شهور، ثم أقيم في الملك عز الدين أيبك التركماني، ولم يلبث قليلًا حتى قتلته زوجته شجرة الدر غيرة منها، عندما علمت بعزمه على خطبة ابنة صاحب الموصل، وأصبح الأمراء والكبراء ذات يوم فوجدوا الملك مقتولًا فهاجت المدينة واختبط الناس، ثم ملكوا عليهم ولده عليا الملك المنصور، وقتلوا بعد ذلك شجرة الدر، وألقوا بجسدها في العراء وكان ذلك عام خمس وخمسين وستمائة.

وفي هذا العام نفسه وصلت جيوش التتار إلى الموصل وخربوا بلادها، وظلوا يتحينون الظروف الملائمة للوثوب على البلاد الإسلامية.

وكانت بغداد -وهي حاضرة الخلافة الإسلامية- مسرحًا للفتن والاضطرابات بين الرافضة وأهل السنة، ووقعت الفتنة الكبرى في سنة خمس وخمسين وستمائة عندما نهب الكرخ دور الرافضة وسلبوا كل ما فيها من مال ومتاع، ولم يسلم من النهب دور أقارب الوزير ابن العلقمي، ولعل ذلك كان من أقوى الأنساب في تعجيل ابن العلقمي الاتصال بهولاكو ملك التتار.

وكان الوزير ابن العلقمي رافضيًّا يكيد للإسلام وأهله، وكانت جيوش المسلمين قد بغلت أيام الخليفة المستنصر قريبًا من مائة ألف مقاتل، فعمل ابن العلقمي على الإقلال من هذا العدد، فأسقط أسماء بعض الجنود من الديوان، وصرف بعضًا آخر عن العمل في الجيش حتى بلغ العدد عشرة آلاف،


١ بتصرف عن البداية والنهاية لابن كثير ج٣ ص١٩٥ وما بعدها، وعن شذرات الذهب ج٥ ص٢٥٣ وما بعدها.

<<  <   >  >>