للحافظ شمس الدين محمد بن الرحمن السخاوي المتوفى سنة ٩٠٢هـ:
وهذا الكتاب من تلك التي أشرنا إليها في التمهيد لهذا الفصل، والتي تعنى بالتأريخ لمن اشتهروا بفن أو علم، أو قيادة أو سياسة، أو صلاح وتقوى، أو غير ذلك مما يظهر أثره ويشتهر به صحابه، وهي لذلك ليست خاصة بنوع من هذه الأنواع، فإذا أوردنا أحدها في هذا الفصل فلأنه ترجم من بين ما احتواه لمن يهمنا أمرهم ويعنينا ذكرهم، وهم رجال الحديث: علماؤه ورواته والمؤلفون فيه.
فإنه إذا كان المؤلف لكتب التاريخ هذه من المحدثين فإنه ولا شك لا بد أن يعنى بشيوخه، ومن زاملوهم في طلب العلم، وعاصروهم أو أخذوا عنهم، فيوفي الترجمة بما يشمل المهم لطالب هذا العلم والدارس فيه.
وإذا كان الكتاب لمؤلف من المحدثين الناقدين الذين يعنون بالجرح والتعديل، ويبدون اهتمامًا خاصًّا بالرواة وأحوالهم، من أمثال شيخ الإسلام ابن حجر، والحافظين السخاوي والسيوطي فإن ما يترجمون به لهؤلاء الرواة من أهم ما يعنينا في البحث في الرجال وأحوالهم، ومن نقلوا عنهم وتتلمذ عليهم، وما صنفوه من مدونات لها أثرها في دراسة علم الحديث بفروعه المختلفة، وفنونه المتعددة، ومن هنا كان اختيارنا لهذا الكتاب.
فإن مؤلفه الحافظ شمس الدين السخاوي من فحول هذا الشأن والمبرزين فيه، نوه به ابن العماد في الشذرات فقال في ترجمته له: وانتهى إليه علم الجرح والتعديل حتى قيل: لم يكن بعد الذهبي أحد سلك مسلكه، ونقل عن ابن حجر قوله عنه: إنه أمثل جماعتي، كما نقل أنه اجتمع له من الروايات بالسماع والقراءة ما يفوق الوصف، وذكر من بين مؤلفاته هذا الكتاب.
وقد أبرز المؤلف عنايته بترجمة رجال الحديث، وبيان ضعفائهم وثقاتهم وما دونوه من مصنفات، بما أورده من بيان منهجه في مقدمة الكتاب بما ملخصه: إن علماء هذا القرن ومن بعدهم يشاركون في مسمى العلم وحفظه ونسخه، وإنهم فضلاء متفاوتون في الفهم والديانة، وإن الشرع قد ورد بإنزال كل منزلته، وبيان المزلزلين من الأثبات، والضعفاء من العدول الثقات، وأهل السنة من فاسدي العقيدة، ليكون المرء على بصيرة فيما يصل إليه منهم، وعلى بينة فيما بين يديه من مصنفاتهم، وأن ذلك من أوكد المهمات لما فيه من المصالح العامة المتعلقة بأمور الدين.
والكتاب يقع في اثني عشر جزءًا، مجموع صفحاتها أربع وأربعون وتسعمائة وثلاثة آلاف، بما في ذلك الفهارس.