[الباب الثاني: مناهج المحدثين في مصر]
[الفصل الأول: قبل سقوط بغداد]
[الدول الأول: عصر الرواية المثبتة ومنهجهم فيه]
...
[الباب الثاني: مناهج المحدثين في مصر]
[الفصل الأول: قبل سقوط بغداد]
نقصد بالمنهج في هذا المقام طريقة عرض السنة على طلابها في نواحيها المختلفة بأنواع علومها المتعددة، مسندة أو غير مسندة، مستوعبة لأبوابها أو مقتصرة على بعض هذه الأبواب، مقرونة ببيان قيمة الأحاديث كلا أو بعضًا أو غير مقرونة.
وقد مرت السنة بأدوار متعددة في طريقها إلينا، وكان عصر الصحابة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعده وعصر كبار التابعين أول هذه الأدوار، ثم تلاهم من نقل السنة عن طريق الرواية أو التدوين جمعًا أو ترتيبًا وتهذيبًا، أو اختصارًا وتقريبًا على النحو التالي:
الدور الأول: عصر الرواية المتثبتة ومنهجهم فيه ١
لم تكن السنة في القرن الأول مدونة في كتب، ولا مسطورة في أوراق، وإنما كانت مسجلة على صفحات القلوب، وكانت صدور الصحابة وكبار التابعين هي مهد التشريع ومصدر الفتيا، ومبعث الحكم والأخلاق، فقد عرف الصحابة والتابعون نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن كتابة شيء غير القرآن فيما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب على متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار" أخرجه مسلم.
كان القرآن ينزل، وكان كتاب الوحي يكتبونه، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتلو على أصحابه كتاب الله، ويحدثهم بالبيان عنه والتفسير لما جاء فيه، ولو أنه صرح لهم بالكتابة لكتبوا عنه ما يقول، وفيما يقوله قرآن وغير قرآن، فيختلط بالقرآن غيره، ويصعب التمييز بينهما في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا على حفاظ كتاب الله، ولا يؤمن بعد ذلك العهد أن بختلط القرآن بالسنة ويلتبس بها، وتكون فتنة كبرى لا يعلم مداها إلا الله.
فهم الصحابة هذا المعنى الذي أشرت إليه، والذي رجحه كثير من العلماء، فكان امتناعهم عن تدوين السنة واعتمادهم على حفظها في الصدور، وحين كتب الصحابي عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يكتب إلا بإذن منه، وكان من بين ما كتبه صحيفته "الصادقة" التي رواها حفيده عمرو بن شعيب عن أبيه عنه وهي عنده من أصح الأحاديث وعدها بعض أئمة الحديث في درجة أيوب عن نافع عن ابن عمر، واحتج بها الأئمة الأربعة
١ تلخيص بتصرف عن مفتاح السنة ص١٥ وما بعدها.