نوه العلماء والمؤرخون بالقرن الثالث الهجري وما كان فيه من نهضة علمية حديثية، أبرزها الله على يد جهابذة الحديث وصيارفته وأئمته، الذين شمروا عن ساعد الجد، فميزوا صحيح الحديث وسليمه من عليله وسقيمه، ونخلوا منه -بحكم الأمانة والدقة في التمييز- ما كان عمدة الدين، فجمعوه بأسانيده ورواياته، وقدموا للأجيال فيما خلفوا من تراث -جوامع ومسانيد وسننا وغير ذلك- مما اختلفت أنواعه، وتعددت تسمياته، يحدوهم في ذلك إخلاص لله ورسوله، ورغبة في الحافظ على سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنها في الحقيقة -بعد القرآن- جامع الإسلام وبيان الدين.
وقد صدق العلماء والمؤرخون في التنويه بشأنهم، والإشادة بذكرهم، فإن ما لدينا من نتاج ذلك العصر من مؤلفات جمعت الكثير من فنون الحديث وأنواعه المختلفة -تغايرت أسماؤها، واختلفت مراتبها، ولكنها اتحدت في غايتها وثمراتها- خير شاهد على أن ذلك العصر كان بحق العصر الذهبي لمتن السنة، وحفظها لمن يعيها، ويتولى الانتفاع بها لنفسه وللمسلمين.
وقد كان أصحاب الكتب الستة -التي رزقت قبولًا من المسلمين- أصحاب القدح المعلى في هذا المضمار، حتى شهد العلماء بصحة كتبهم، وما نقلوه فيها بالإسناد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، وكانوا -ومن سار على دربهم وسلك طريقهم من الجامعين للسنة- كواكب هذا العصر اللامعة، وشموسه الساطعة، نذكر هنا أشهرهم مرتبين على سني وفاتهم على النحو التالي:
١- الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، المتوفى سنة ست وخمسين ومائتين، في كتابه صحيح البخاري.
٢- الإمام مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري المتوفى سنة إحدى وستين ومائتين، في كتابه صحيح مسلم.
٣- الإمام محمد بن يزيد المعروف بابن ماجه، المتوفى سنة ثلاث وسبعين ومائتين، في كتابه سنن ابن ماجه.
٤- الإمام أبو داود سليمان بن الأشعث الأزدي، المتوفى سنة خمس وسبعين ومائتين، في كتابه سنن أبي داود.
٥- الإمام محمد بن عيسى بن سورة بن موسى الترمذي، المتوفى سنة تسع وسبعين ومائتين، في كتابه سنن الترمذي.
٦- الإمام أحمد بن شعيب بن علي بن سنان النسائي، المتوفى سنة ثلاث وثلاثمائة في كتابه سنن النسائي.