هذه كتب الأصول الستة في الحديث، وقد عول عليها جمهرة المسلمين، لالتزام أصحابها شروطًا في نقل السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعتبروها بعد القرآن أهم مراجع الدين الحنيف.
ومع هذه الأصول كانت هناك كتب في أحاديث الأحكام، جمع فيها الأئمة الأربعة -في القرنين الثاني والثالث- ما كان أدلة لما ذهب إليه كل منهم في الفقه على النحو التالي:
١- الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت الفارسي الكوفي، المتوفى سنة خمسين ومائة، في كتابه مسند أبي حنيفة.
٢- الإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي، المتوفى سنة تسع وسبعين ومائة، في كتابه الموطأ.
٣- الإمام محمد بن إدريس بن عباس بن عثمان "الشافعي" المتوفى سنة أربع ومائتين، في كتابه مسند الشافعي.
٤- الإمام أحمد بن حنبل الشيباني المروزي، المتوفى سنة إحدى وأربعين ومائتين، في كتابه مسند أحمد.
وبإضافة هذه الكتب الأربعة لأئمة الفقه إلى ما سلف ذكره من الكتب الأصول الستة لأئمة الحديث تكمل الكتب العشرة التي هي أصول الإسلام، وعليها مدار الدين١.
وهؤلاء قد مهدوا السبيل لمن خلفهم وعشا إلى ضوئهم من أئمة أجلة من رجال الحديث، ممن عاصرهم أو جاء بعدهم، من أصحاب كتب السنن والمستدركات والزوائد.
وهؤلاء وأولئك تركوا هذا التراث العظيم لمن جاء بعدهم، فقلبوا صفحاته، وقربوا جناه وثمراته، فأخذوه بقوة، وأبرزوه بقوة، وأوضحوا معالمه، ويسروا مآخذه، وأزالوا مبهماته، وكشفوا خفياته، وقدموا كل ذلك في كتب الشروح الحديثية التي كثرت كثرة تفوق العد والحصر، وبقي لنا منها الشيء النافع الكثير.
وكان لعلماء الحديث المصريين في ذلك المضمار أكبر قسط وأوفر نصيب، فقد كانت مصر ملجأ وملاذًا لمن هاجر إليها من علماء المسلمين فرارًا من ظلم الظالمين، فوق عليها من الشرق والغرب -بعد نكبتي بغداد والأندلس- من كانوا أساطين العلم، وفحول الدراية والبحث
١ نقلًا بتصرف عن الرسالة المستطرفة ص٩ وما بعدها، وشذرات الذهب ج١ وج٢ في تحقيق الوفاة لهؤلاء الأعلام.