الدورالثاني: عصر تدوين الحديث مختلطًا بغيره ومنهجهم فيه
ثم انتشر الإسلام وتفرقت الصحابة في الأمصار، ومات كثير منهم، وقل الضبط وكثر الابتداع، فاشتدت الحاجة إلى تدوين الحديث وتقييده بالكتابة، وكتب عمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين على رأس المائة إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عامله وقاضيه على المدينة: انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء، وأوصاه أن يكتب ما عند عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية والقاسم بن محمد بن أبي بكر، كما كتب إلى عماله في أمهات المدن الإسلامية يأمرهم بجمع الحديث، ومن أبرز من كتب إليهم، محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري المدني أحد الأئمة الأعلام، وعالم أهل الحجاز والشام.
ثم شاع التدوين في الطبقة التي تلي الزهري، فكان أول من جمعه ابن جريج بمكة، وابن إسحاق ومالك بالمدينة، والربيع بن صبيح وسعيد بن أبي عروبة وحماد بن سلمة بالبصرة، وسفيان الثوري بالكوفة، والأوزاعي بالشام، وهشيم بواسط، ومعمر باليمن، وجرير بن عبد الحميد بالري، وابن المبارك بخراسان، وكل هؤلاء من أهل القرن الثاني.
ومن أشهر الكتب المؤلفة في القرن الثاني موطأ مالك، ومسند الإمام الشافعي، ومختلف الحديث له، ومسند عبد الرزاق بن همام الصنعاني، ومصنف شعبة بن الحجاج، ومصنف سفيان بن عيينة، ومصنف الليث بن سعد، ومجموعات من عاصرهم من الحفاظ كالأوزاعي والحميدي وغيرهم ممن سأذكر مؤلفاتهم في الباب الثالث موزعة على فصوله بإذن الله.
وقد اتسم طابع التدوين في القرن الثاني بجمع الحديث مختلطًا بغيره من أقوال الصحابة وفتاوى التابعين.