للشيخ محمد عبد الرءوف المناوي الحدادي القاهري المتوفى سنة ١٠٣١هـ:
تمهيد:
الحديث القدسي: هو الحديث الذي يضيفه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل بقوله: قال الله عز وجل، أو يقول الله تعالى، أو نحو ذلك، ولكون الحديث القدسي من رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل فإنه يندمج في الأحاديث النبوية ويذكر بينها في جميع كتب السنة، إلا أن بعض المؤلفين خص هذا النوع بالتأليف منفردًا لعلو مرتبته من حيث إضافته إلى الله عز وجل وإن كان في درجته يخضع لقواعد التحديث وأصوله من حيث الصحة والحسن، وربما اتصف بالوضع إذا كان في رواته من يبرر الحكم عليه بذلك، أو كان مما أضيف إلى الله عز وجل من غير سند كما يقع في بعض المؤلفات من كتب الوعظ التي لا يهم أصحابها التدقيق في تخريج الأحاديث لتقويمها، بقدر ما يهمهم أن يروجوا للموضوع الذي يستشهدون له ترغيبًا أو ترهيبًا.
وإنما اهتم بعض المؤلفين بالكتابة في هذه الأحاديث على حدة لأن في نسبة النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأحاديث إلى الله عز وجل ما يرفع مستواها، مما يجعل النفوس المؤمنة تتقبلها بقبول حسن، ويهتز الشعور الطيب لها فيقبل على العمل بما تدعو إليه.
والأحاديث القدسية في هذا الكتيب وفي غيره تدور حول الترغيب في فضائل الأعمال والترهيب من رذائلها، ولهذا يحشد فيها كثير من الأحاديث الضعيفة والمنكرة كما لمسنا ذلك في تنبيه أحد المصنفين، وهو الشيخ محمد المدني المتوفى سنة إحدى وتسعين ومائة وألف، فإنه ألف كتابًا في الأحاديث القدسية، وأورد فيه عددًا من الأحاديث أكثر مما عرف فيما ألف من الكتب في هذا الباب، فإن أحاديثه القدسية بلغت أربعًا وستين وثمانمائة، وهي تربو على أضعاف ما في هذا الكتاب الذي لا تتجاوزو أحاديثه اثنين وسبعين ومائتين من الأحاديث القدسية، كما أُحصي ذلك بالأرقام في طبعة الشيخ منير الدمشقي.
وقد تناول المحدثون التفرقة بين الحديث النبوي والقرآن وبينه وبين الحديث القدسي، فأوردوا أن القرآن الكريم هو كلام الله عز وجل المنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، المتعبد بتلاوته المتحدي بأقصر سورة منه، وهذان القيدان: التعبد بالتلاوة والتحدي، يخرج كل منهما الحديث القدسي عن دائرة القرآن، وهذا إذا اعتبرنا أن الأحاديث القدسية منزلة بلفظها على النبي صلى الله عليه وسلم، وبه يقول بعض المحدثين، ثم يعتبرونه فرقًا بين الحديث القدسي والحديث النبوي، وأما إذا قلنا: إن المعنى في الأحاديث القدسية من عند الله عز وجل واللفظ للنبي صلى الله عليه وسلم