للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن الأحاديث القدسية تكون بهذا خارجة عن القرآن من أول التعريف؛ لأنها ليست من كلام الله بهذا الاعتبار.

والحق أن الأحديث القدسية معناها من الله تعالى ولفظها من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تختلف بهذا الاعتبار عن الأحاديث النبوية، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم حين يضيفها إلى الله عز وجل إنما يفعل ذلك في أمر يريد أن ينبه إليه النفوس ويوقظها اعتناء بشأنه، كما يتجلى ذلك في أغراض الأحاديث القدسية ومعانيها التي تدور حولها.

وقد فرق بعضهم١ بين الحديث القدسي والقرآن بفروق: منها أن نزول القرآن لا يكون إلا بواسطة الروح الأمين ويكون مقيدًا باللفظ المنزل من اللوح المحفوظ، ثم يكون نقله متواترًا قطعيًّا، ومنها عدم صحة الصلاة بالأحاديث القدسية، وعدم حرمة لمسها وقراءتها للجنب والحائض، وعدم تعلق الإعجاز بها، وعدم كفر جاحدها، ونقل عن كل من الكرماني -شارح البخاري- والطيبي وابن حجر ما يؤيد هذه الفروق.

ويرجع مبدأ التأليف في هذا النوع -فيما انتهت إليه دراستنا- إلى القرن السابع الهجري الذي نشأ فيه محيي الدين بن عربي المتوفى سنة ثمان وثلاثين وستمائة للهجرة٢ فقد ذكر في بعض تراجمه أنه جمع في الأحاديث القدسية مائة حديث وواحدًا٣، وسماه مشكاة الأنوار فيما روي عن الله سبحانه وتعالى من الأخبار، ثم تبعه الشيخ الإمام ملا علي القارئ المتوفى سنة أربع عشرة وألف للهجرة، وقد نقل الزركلي أنه ألف أربعين حديثًا مخطوطة في الأحاديث القدسية٤.

ثم جاء من بعده الشيخ عبد الرءوف المناوي٥ المتوفى سنة إحدى وثلاثين وألف -على ما ذكره صاحب الرسالة المستطرفة وذكر أنه الصواب في تاريخ وفاته- فألف في الأحاديث القدسية كتابًا سماه الإتحافات السنية، أورد فيه ما وقف عليه منها، مرتبًا إياه على حروف المعجم في مجلد لطيف، لكن بغير إسناد، ثم جاء من بعده الشيخ عبد الغني النابلسي المتوفى سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف، فجمع في الأحاديث القدسية كتابًا لم يذكر عدد أحاديثه، ولكنه يذكر في ترجمة الشيخ النابلسي دون بيان لاسم كتابه هذا أو عدد أحاديثه، ثم جاء من بعد ذلك عالم جليل هو الشيخ محمد المدني من فقهاء الحنفية المتوفى سنة مائتين وألف للهجرة، فألف كتابًا سماه باسم كتابنا هذا -الإتحافات السنية- حشد فيه أكثر ما وصل إليه علمنا من المؤلفات حيث جمع ما بلغ به أربعا وستين وثمانمائة حديث قدسي، وقال في آخره: هذا قصارى ما وجدته من الأحاديث القدسية بالتتبع، والاستقراء يقتضي أكثر من هذا، وبين أن غالبها مأخوذ من جميع الجوامع للسيوطي، ومن غيره قليلًا كما هو مبين في غزو الأحاديث إلى مآخذها.


١ الإتحافات السنية للشيخ محمد المدني ص٣٠٢ طبع مكتبة الكليات سنة ١٩٧٠م.
٢ شذرات الذهب ج٥ ص١٩٠.
٣ الرسالة المستطرفة ص٦١.
٤ من مقدمة الإتحافات السنية ص٨.
٥ الرسالة المستطرفة ص٦١ و١٣٨.

<<  <   >  >>