ندرس لهذا الكتاب لأنه يدخل ضمن موضوع دراستنا، فإن مؤلفه حافظ مصر عاصر الفترة التي اتخذناها زمانا لهذه الدراسة، ولأن هذا الكتاب كان مادة أساسية للكتب التي ألفت بعده في الترغيب والترهيب، من أمثال الأذكار للنووي، والمتجر الرابح في ثواب العمل الصالح للدمياطي، والزواجر في النهي عن اقتراف الكبائر لنور الدين الهيثمي، والإتحافات السنية في الأحاديث القدسية للمناوي. وكذلك الإتحافات السنية للشيخ محمد المدني من علماء الحديث في القرن الثاني عشر الهجري.
وهذا الكتاب من أمثل ما ألف في الترغيب والترهيب إن لم يكن أمثلها جميعًا، ولهذا كان له ولأمثاله اعتبار بين المسلمين، وانتشار بين أوساط العلماء والمتعلمين، وكان مادة خصيبة للدعاة والموجهين.
وقد قسمه المؤلف تقسيمًا لا نرى أحدًا سبقه إليه في بابه، فقد جعله كتبًا عديدة، وأورد تحت كل كتاب أبوابًا كثيرة، اشتمل كل باب منها على عدة أحاديث.
فأفرد كتبًا لكل من العلم والطهارة والصلاة المفروضة ونوافل الصلوات والجمعة والصدقات إلى آخره، وأورد تحت كل كتاب من هذه أبوابًا، وتحت كل باب منها عدة أحاديث، وهكذا سلك في بقية الكتاب.
وبين المؤلف -في خطبة الكتاب- ما حفزه على تأليفه، وهو أنه مبني على طلب بعض ذوي الهمم العالية ممن اتصف بالزهد والإقبال على الله، وأنه أملى -بناء على ذلك- كتابه في الترغيب والترهيب مجردًا عن التطويل بذكر إسناد أو كثرة تعليل، فجاء -كما وصفه- صغير الحجم غزير العلم، حاويًا لما تفرق في غيره من الكتب، مقتصرًا فيه على ما ورد صريحًا في الترغيب والترهيب من السنة القولية في أكثر أحاديثه، وأن طريقته أن يروي الحديث، ثم يعزوه إلى من رواه من الأئمة أصحاب الكتب المشهورة، وقد يعزوه إلى بعضها دون بعض طلبًا للاختصار -ولا سيما إذا كان في الصحيحين أو أحدهما- ثم يشير إلى صحة إسناده وحسنه أو ضعفه، إن لم يكن من عزاه إليهم ممن التزم إخراج الصحيح.
وذكر المؤلف أنه إذا كانت هناك علل دقيقة لبعض الأحاديث فإنه لا يذكرها؛ لأنها مما يختص به الجهابذة من النقاد، فاقتضى الاختصار ألا يتعرض لها، وأعانه على ذلك أن من تقدمه من العلماء أساغوا التساهل في أحاديث الترغيب والترهيب.
وقد أوضح منهجه بما يدل على دقة فاحصة في التخريج وتتبع رواة الحديث، والتنبيه على مرتبة كل حديث، مع تعليل أسباب الضعف إن وجد، وذكر خلاف الأئمة في بيان المرتبة إن وجد أيضًا.