في عرضنا لمن أخذ عنهم أعلام المحدثين في مصر نتعرض لذكر الصحابة والتابعين الذين نزلوا مصر بسبب الفتح وغيره، أو كانوا من أبنائها الأصليين ممن أدركوا شرف الصحبة أو التبع، فنترجم لمشاهير منهم، وقد يكون من بين هؤلاء الصحابة من لم تكن له رواية للحديث، ولكننا نورده باعتبار منزلته في صدر الإسلام، وأنه كان صورة مجسدة للكثير من الفضائل التي تحلى بها عامة المسلمين في العصر الأول، ولا سيما من كان منهم وثيق الصلة بالرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه وإن لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا قوليًّا إلا أن حياته وأفعاله كانت تنطق بما كان عليه السلف الصالح من اقتداء بنبينا صلوات الله وسلامه عليه.
وبين يدي تراجم الصحابة نتقدم بكلمات موجزة يتبين منها: من هو الصحابي؟ وبم تعرف الصحبة؟ ولماذا أجمعت الأمة على نسبة العدالة والتوثيق إلى الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين؟ كما يتبين التابعي وتابعه ممن كانوا أوعية للعلم ونقلة للدين.
من هو الصحابي ١؟:
المحققون من أهل الحديث -كالبخاري وأحمد بن حنبل- على أن الصحابي هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم وهو مميز مؤمنًا به ومات على الإسلام، طالت مجالسته له أو قصرت، روى عنه أو لم يرو، غزا معه أو لم يغز.
قال البخاري في صحيحه: من صحب النبي صلى الله عليه وسلم، أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه.
وقال أبو المظفر السمعاني: أصحاب الحديث يطلقون اسم الصحابي على كل من روى عنه صلى الله عليه وسلم حديثًا أو كلمة، ويتوسعون حتى يعدون من رآه رؤية من الصحابة. فلشرف منزلته صلى الله عليه وسلم أعطوا كل من رآه حكم الصحبة، وذكر أن اسم الصحابي من حيث اللغة والظاهر يقع على من طالت صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم وكثرت مجالسته له على طريق التبع له والأخذ عنه. قال: وهذا طريق الأصوليين.
وقال ابن الصلاح في مقدمته: روينا عن شعبة عن موسى السيلاني -وأثنى عليه خيرًا- قال:"أتيت أنس بن مالك فقلت: هل بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد غيرك؟ قال: "بقي ناس من الأعراب قد رأوه، فأما من صحبه فلا" إسناده جيد حدث به مسلم بحضرة أبي زرعة -وهذا القول قريب من قول الأصوليين.