وهذا كتاب من الكتب النافعة في الشروح الحديثية، ومؤلفه الحافظ١ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عبد الملك، العلامة الحجة الفقيه الرحالة المقرئ المسند. قال السخاوي: مولده ثاني عشر ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وثمانمائة بمصر، ونشأ بها وحفظ القرآن، ومن شيوخه الشيخ خالد الزهري النحوي، والفخر المقسمي، والجلال البكري كما أخذ بمكة عن جماعة منهم النجم بن فهد ولم يكن له نظير في الوعظ، وله تصانيف عديدة في علوم القراءات وعلوم الحديث التي من بينها شرحه المسمى إرشاد الساري الذي نورده للدراسة، وتوفي رحمه الله ليلة الجمعة سابع المحرم بالقاهرة عام ثلاث وعشرين وتسعمائة، دفن بالمدرسة العينية جوار منزله.
وكتابه إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، قدم له بمقدمة بين فيها منهجه، وتعرض فيها لفوائد حديثية، نورد هنا تلخيصًا لما ورد فيها على النحو التالي:
بعد أن تكلم عن السنة وأنها أعظم العلوم قدرًا، وأرقاها شرفًا وفخرًا، وتكلم على كتاب البخاري الجامع، وأنه قد أظهر من كنوز مطالب السنة العالية إبريز البلاغة، وحاز قصب السبق في ميدان البراعة، وأتى من صحيح الحديث وفقهه بما لم يسبق إليه، ولا عرج أحد عليه، وأفاض في مدحه والثناء عليه قال: ولطالما خطر لي في الخاطر المخاطر أن أعلق عليه شرحًا أمزجه فيه مزجًا، وأدرجه ضمنه درجًا، أميز فيه الأصل من الشرح بالحمرة والمداد، واختلاف الروايات بغيرها ليدرك الناظر سريعًا المراد، فيكون باديا بالصفحة، مدركًا باللمحة، كاشفًا بعض أسراره لطالبيه رافعًا النقاب عن وجوه معانيه لمعانيه، موضحًا مشكله، فاتحًا مقفله، مقيدًا مهملة، وافيًا بتغليق تعليقه، كافيًا في إرشاد الساري لطريق تحقيقه، محررًا لرواياته، معربًا عن غرائبه وخفياته.
ثم بين أنه كثيرًا ما أحجم عن الإقدام على هذا العمل؛ لأنه كما قال عن هذا المنزل بمعزل لا سيما وقد قيل: إن أحدًا لم يستصبح سراجه، ولا استوضح منهاجه، ولا اقتعد صهوته، ولا افترع ذروته. ثم قال: ولم أزل على ذلك مدة من الزمان، حتى مضى عصر الشباب وبان فانبعث الباعث إلى ذلك راغبًا، وقام خطيبًا لبنات أبكار الأفكار خاطبًا إلى أن قال: وأطلقت لسان الحكم بعبارة صريحة واضحة وإشارة قريبة لائحة، لخصتها من كلام الكبراء الذين رقت في معارج علوما لشأن أفكارهم، وإشارات الألباء الذين أنفقوا على اقتناص شوارده أعمارهم، وبذلت الجهد في تفهم أقاوئل الفقهماء المشار إليهم بالبنان، وممارسة الدواوين