ويبدو أن أكثرها هزيل لم يستطع أن يقوم بالعبء الكافي لخدمة هذا الكتاب الخدمة اللائقة به، حتى إن ابن خلدون وهو من أكثر المؤلفين خبرة بشئون الكتب والمؤلفات من علماء القرن الثامن يقول وهو يتحدث عن شروح البخاري: ومن شرحه من المتقدمين لم يستوف الشرح كابن بطال وابن المهلب وابن التين ونحوهم، ولقد سمعت كثيرًا من شيوخنا رحمهم الله يقولون: شرح البخاري دين على الأمة، يعنون أن أحدًا من علماء الأمة لم يوف ما يجب له من الشرح بهذا الاعتبار١. ا. هـ.
فإذا جاء المتأخرون من علماء الحديث وفيهم مثل الحافظ ابن حجر والإمام العيني بسفريهما العظيمين فتح الباري وعمدة القاري اللذين هما مفخرتان خالدتان لعلماء الحديث في خدمة هذا الكتاب وحده، فكيف إذا انضم إليهما ما سبق لنا إيراد بعضه من شروح البخاري وغيره من كتب السنة من الأسفار الضخمة المتكثرة، إذن لتجلت مفاخر هذا العصر في خدمة السنة بهذه الشروح العظيمة التي لا يزاحم فيها بأي حال.
٨- ومن سمات هذا العصر ظهور التجريد في كتب السنة خصوصًا أو عمومًا، وإن كان بعض هذه المجردات قد ظهر في نهاية العصر السابق، كمصابيح السنة لأبي محمد البغوي، الذي جرد فيه الأحاديث من أسانيدها، وقسمها إلى صحاح وحسان، وأراد بالصحاح ما أخرج الشيخان أو أحدهما، وبالحسان ما أخرجه أرباب السنن الأربعة مع الدارمي، وهو منهجه واصطلاحه وكتاب الجمع بين الصحيحين لعبد الحق محمد بن عبد الرحمن الإشبيلي المتوفى سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة، والأحكام الشرعية له أيضًا.
ومن الكتب التي ألفت مجردة في العصر الأخير: التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح لشهاب الدين أبي العباس الشهير بالزبيدي الحنفي المتوفى سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة، ومنها الترغيب والترهيب للحافظ المنذري، وبلوغ المرام للحافظ ابن حجر، كما أن منها جمع الجوامع، والجامع الصغير، وغيرها من كتب السنة المجردة.
٩- كتب الذيول تذييلها، وهي كتب يؤلفها؛ العلماء استيفاء لما فات المؤلف السابق، أو إضافة إليه ببعض ما عرف بعده مما لم يدركه في عصره، وهي أبرز ما تكون في كتب التراجم، ويتصل بذلك ما يسمى في كتبهم بالتكميل أو الإكمال، ومن أمثلة ذلك ما فعله العلماء في كتاب الوفيات لابن زَبر، وقد سبق إلى التذييل على هذا الكتاب الحافظ الكتاني المتوفى سنة ست وستين وأربعمائة، ثم تتابع المحدثون بالتذييلات عليه في هذا العصر، بذكر من لم يدركه من قبله إلى عصره،