للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم قال: وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: بل التكبير في العيدين تسع تكبيرات: خمسًا في الأولى وأربعًا في الآخرة، ويوالي بين القراءتين.

قال: وكان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى فيما احتجوا به عليهم من الآثار التي ذكرنا أن حديث عبد الله بن عمر إنما يدور على عبد الله بن عبد الرحمن وليس عندهم بالذي يحتج بروايته، ثم هو أيضًا من عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وذلك عندهم أيضًا ليس بسماع وأما حديث ابن لهيعة فبين الاضطراب مرة يحدث عن عقيل، ومرة عن خالد بن يزيد عن ابن شهاب، ومرة عن خالد بن يزيد عن عقيل، ومرة عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة رضي الله عنها، وأبي واقد رضي الله عنه. قال: وبعد، فمذهبهم في ابن لهيعة ما قد شرحناه في غير موضع من هذا الكتاب، وأما حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فإنما يدور على ما رووه عن عبد الله بن عامر، وهو عندهم ضعيف.

ثم يقول بعد سطور قليلة: فلما انتفى أن يكون في هذه الآثار شيء يدل على كيفية التكبير في العيدين لما بينا من وهائها وسقوطها نظرنا في غيرها، هل فيها ما يدل على شيء من ذلك؟ ثم ساق حديثًا قال في تقويمه: إنه حديث حسن الإسناد، وعن رجاله: إنهم أهل رواية، معروفون بصحة الرواية ليس كمن روينا عنه الآثار الأول، فإن كان هذا الباب من طريق صحة الإسناد يؤخذ، فإن هذا أولى أن يؤخذ به مما خالفه.

وبعد: فهذه بعض نماذج لما بدا لنا في هذا الكتاب عند الدراسة، عرضناها على القارئ الكريم تصويرًا لما في الكتاب من جهد مشكور، وعناية فائقة بعرض الأحاديث والآثار، واستنباط الأحكام منها بعد عرض الأدلة التي تساند كل فريق إن كان في المسألة خلاف. وترجيح أحد الرأيين أو الآراء في الأدلة، والانتصار في النهاية لمذهب أبي حنيفة الذي ارتضاه المؤلف، وسوق الأدلة بعد هذا تدعيمًا لهذا المذهب، وهو في هذا كله طويل النفس، قوي الحجة، غزير المادة، محيط بمذاهب العلماء في الخلافيات، يعرض أدلتهم ويدعم ما يراه منها موافقًا لمذهبه، ويفند ما عدا ذلك، مما يجعله بحق أستاذًا لتربية ملكة التفقه عند الدارسين، ورائدًا من الذين يعتز بهم رجال الفقه والحديث، حتى لقد نوه به علماء الرجال، ووصفوه بأنه انتهت إليه رياسة الحنفية بمصر، وقال عنه العلامة الكفوي في الطبقات بعد أن عده في الطبقة الثانية من أصحابنا: هو الشيخ الإمام جليل القدر مشهور في الآفاق ذكره الجميل مملوء في بطون الأوراق ... إلى أن قال: وكان رحمه الله إمامًا في الأحاديث والأخبار، سمع الحديث من خلق كثير من الغرباء ومن المصريين. ثم قال: وكان رحمه الله عالمًا بجميع مذاهب الفقهاء.

أجزل الله الأجر للإمام أبي جعفر الطحاوي، فقد أسدى الخير للمسلمين، وقدم لهم من تراث الإسلام ما يستحق الدراسة ويستأهل التقدير، جزاه الله عن أمة الإسلام خير الجزاء.

<<  <   >  >>