للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجاء بعد المقدسي من تدارك مسلكه، وتوسع في المراجع التي يأخذ عنها الأحاديث؛ فكان الإمام مجد الدين بن تيمية في كتابه منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار، ولم يكن كسلفه المقدسي في اقتصاره على الأخذ من الصحيحين، وإنما أخذ منها كما أخذ من غيرها من كتب الأصول المعتمدة في الحديث، ومن بين هذه الكتب التي أخذ منها مسند الإمام أحمد بن حنبل، وجامع أبي عيسى الترمذي، وكتاب السنن لأبي عبد الرحمن النسائي، وكتاب السنن لأبي داود السجستاني، وكتاب السنن لابن ماجه القزويني، فجاء كتابه المنتقى أوسع دائرة فيما ألف مختصرًا من أحاديث الأحكام بعد عصر الرواية -كما سبق أن ذكرناه- وكان لذلك من أهم المراجع، لولا انصراف مؤلفه إلى إيراد هذه الكثرة الكاثرة من الأحاديث عن تقويمها وبيان درجتها، مما جعل كثيرا ممن جاء بعده يعنى أكبر العناية ببيان درجة الحديث والكلام على رجاله، وعلى رأس هؤلاء الحافظ العراقي، فكان كتابه تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد كما وصفه مؤلفه: بأنه مختصر في أسانيد الأحكام، متصل الأسانيد بالأئمة الأعلام، حتى لا يقع في نقيصة نقل العلم بدون إسناده.

ومن بعد هؤلاء جميعًا جاء الحافظ ابن حجر في كتابه بلوغ المرام الذي عبر عنه: بأنه مختصر يشتمل على أصول الأدلة الحديثية للأحكام الشرعية، وذكر عقب كل حديث من أخرجه من الأئمة؛ لإرادته نصح الأمة، وقد اختار ابن حجر نخبة من الأحاديث، واتجه في أكثر ما اختاره إلى ما بنى عليه الإمام الشافعي مذهبه، وراعى في اختيارها أن تكون من بين ما هو صحيح أو حسن، وأن تكون صالحة للاحتجاج، فإن أورد ما هو أدنى من ذلك درجة فإنما يورده كشاهد أو تابع، أو مشتمل على زيادة ليست في غيره مما استوفى شروط القبول.

وأخيرًا كان الإمام الشعراني في كتابه كشف الغمة عن جميع الأمة، وهو كما قلنا كتاب يتناول أحاديث الأحكام، ويعرضها عرضًا نديًا يحفز النفوس إلى العودة إلى هدي النبي الكريم، وهو في هذا جامع لما تفرق، مستوعب في إيجاز، يفيد من تشوفت نفسه إلى التضلع من علوم الشريعة الإسلامية في أوجز وقت وأقربه، فهو مادة جليلة لكل مسلم، ينتفع به الخاص والعام.

ونرجو أن نكون -فيما عرضناه من نماذج لكتب أحاديث الأحكام- قد وفقنا إلى إعطاء القارئ الكريم صورة صادقة لما كان عليه التأليف في السنة في تلك العصور، وما كان عليه سلفنا الصالح من بذل الجهد في سبيل تقريب السنة إلى الدارسين، وتقديمها خالصة من الوشائب، ينتفع بها من أراد الخير لنفسه ولأمته في دينه ودنياه، والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل

<<  <   >  >>