للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذا تصورنا هذه الكثرة الكاثرة من أحاديث الكتاب، وعلمنا أن من بينها ما يصل طول الحديث فيه إلى سبع صفحات أو تزيد، وإذا علمنا أن مؤلفه قد بوبه على نحو لا نرى أحدًا من المؤلفين يطاوله في بابه أو يدانيه، وأنه شرح غريبه وضبط كلماته ورواته، وترجم -في آخر كتابه- للمختلف فيهم من هؤلاء الرواة، وذكر آراء علماء الجرح والتعديل فيهم مرتبًا إياهم على حروف المعجم أقول إذا تصورنا هذا العمل الجليل والمجهود الضخم من الإمام المنذري -رحمه الله- لبان لنا أن الكتاب ثروة في الترغيب والترهيب لا تعدلها ثروة، ومرجع رئيسي يعول عليها العلماء والدارسون، ويقتبس من كنوزه الخطباء والمرشدون، وينتفع بما ورد فيه الخاصة والعامة كل بما يفتح الله عليه في فهم ما ورد فيه من حديث.

رحم الله الإمام المنذري وأجزل له الثواب والجزاء.

تعقيب: رياض الصالحين

وفي هذا المجال لا يفوتنا أن ننوه بكتاب عظيم، له في باب الترغيب والترهيب قيمته وخطره قد ذاع صيته، وعم نفعه، وكثر تداوله، وتعددت طبعاته لولوع المسلمين به، وإقبالهم الكبير عليه ذلك هو كتاب "رياض الصالحين" لمؤلفه الإمام الفقيه المحدث محرر مذهب الشافعية أبي زكريا، يحيى بن شرف الدين النووي المتوفى سنة ست وسبعين وستمائة للهجرة ببلدته نوى من أعمال دمشق١.

وهذا الكتاب يجمع ثروة حديثية متخيرة في الترغيب والترهيب، وسائر أنواع آداب السالكين من أحاديث الزهد، ورياضات النفوس، وتهذيب الأخلاق، وطهارات القلوب وعلاجها، وصيانة الجوارح وإزالة أعوجاجها كما يقول المؤلف عنه في خطبة الكتاب التي ذكر فيها: أنه التزم فيه ألا يذكر إلا حديثًا صحيحًا من الواضحات، وإن كنا نستدرك عليه في ذلك بأنه وصف بعض الأحاديث بالحسن، وأنه ترك التنبيه على بعضها وذلك قليل، ومن أمثلة ذلك ما يأتي:

١- في حديث: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قومًا ابتلاهم ٢ ... " الحديث، قال النووي، رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.

٢- وفي حديث: "من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله سبحانه وتعالى ٣ على رءوس الخلائق ... " الحديث علق المؤلف عليه بقوله: رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن.

٣- وعلق على حديث: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله ... " الحديث. بقوله٤ رواه الترمذي وقال: حديث حسن.


١ شذرات الذهب ج٥ ص٣٥٤.
٢ رياض الصالحين ص٣٩.
٣ رياض الصالحين ص٤٢.
٤ رياض الصالحين ص٥٧.

<<  <   >  >>