فإذا أخذت الزيادات على الكتب الأصلية المتداولة من هذه الكتب الغزيرة الحافلة قربت السنة إلى الناس، ولو أن مثل السيوطي وجه همته إلى جميع هذه الزيادات من مظانها الميسرة له، بدلًا من تفكيره في جمع السنة كلها في جامعه الكبير، الذي اخترمته المنية فحالت دون استكماله، وتركه للمسلمين أوراقًا مبعثرة تستنفد كثيرًا من جهود العلماء في تنقيحها وتصحيحها وترتيبها إذاً لهان الأمر في تقريب السنة كثيرًا على من ينشدون ذلك ويسعون في تحصيله لهم وللأمة الإسلامية قضاء لحق واجب.
ويا حبذا لو تنبه مجمع البحوث الإسلامية إلى تلك الفكرة فجمع هذه الزيادات وهذبها وحقق بها تلك البغية المنشودة للمسلمين في أقطار الأرض.
ولا يستطيع أحد أن ينكر فضل تقريب السنة بجمع هذه الشوارد وإضافتها إلى كتبها المشهورة المتداولة، فإنها أحاديث من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله، لها ما لتلك الأحاديث من أهمية في الاستدلال لشئون الدين، والإغناء عن كثير مما يضطر إليه أئمة المذاهب وأصحاب الفروع حين يعيهم الوصول إلى الأدلة من السنة فيلجئون إلى أدلة أخرى لا يجوز اللجوء إليها شرعًا لو تيسرت لهم الأدلة من الكتاب أو السنة، ولهذا كان كثير من رجال السنة والأثر يستغني بما آتاه الله منها -كالإمام أحمد والبخاري وغيرهما- عن أخذ الفقه على تلك الأساليب التي لجأ إليها كثير من أئمة الفقه وأصحاب الفروع، وإذا كان في كتب الزوائد بعض من الأحاديث الضعيفة أو المنكرة فإنها لا تعدو في ذلك أن يكون شأنها شأن غيرها من كتب السنة المعتبرة التي تحوي بعض تلك الأحاديث ولم يقل أحد إنه يمتنع كتابة الأحاديث الضعيفة أو روايتها ما دام هناك تنبيه إليها، ولا شك أن لها فضلها كاعتبارات أو متابعات أو شواهد ترفع من شأنه وتجعله حسنًا، وترفع من شأن الحسن أحيانًا وتجعله صحيحًا لغيره -كما بين في موضعه من علوم الحديث- وأحيانًا يستدل بها على الأحكام إذا عز الحديث الصحيح، وتقدم على القياس كما عرف من أسلوب الإمام أحمد في الاستدلال.
على أن لأصحاب الزوائد التي أطلعنا عليها دقة عجيبة في تخريج الأحاديث وفحصها، والتنبيه إلى مراتبها ودرجات رجال إسنادها، حتى إنهم كثيرًا ما يقفون من بعضها مواقف سلبية لا يجزمون فيها بحكم كما سنبينه في دراسة كتب الزوائد إن شاء الله.
ولا بد أيضًا أن نشير إلى ما لكتب الزوائد من أثر عظيم في توسيع المدارك الإسلامية، وتوجيه الأذهان إلى بعض النواحي غير المطروقة، والتي ينبغي للمسلمين أن يتعرفوا عليها في إبراز الجوانب المتعددة لصاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم، وأسلوبه في جميع شئون حياته، مما يصلح أساسًا لبناء الشخصيات المسلمة، ويرسم لها سبل الحياة السعيدة الموفقة.
ويتصل بهذا -أيضًا- أن توسيع المدارك أمر له خطره في شرح السنة، وتوضيح غوامضها وحل مشكلاتها، فإن السنة تفسر السنة، كما أنها تفسر الكتاب، وتبين كثيرًا من الغوامض والمشكلات