للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبه يتبين أن السيوطي لم يذكر إلا شرح الاسم فقط دون توضيح ما دل عليه الأسلوب من أن المراد به العرب، ولو أنه ذكر إبراهيم والد إسماعيل لاتضح المقام بعض الشيء، ولقد كان حريًّا في هذا المقام أن يذكر الأثر ليتضح به معنى الكلام، وهو أولى من ذكره للأثر في مقامات أخرى قد يستغنى فيها عن ذكره.

ومما يدخل في هذا الباب أنه يترك كلمة من غريب الأثر دون تفسير، اعتمادًا على ورودها في مقام آخر مع طول الفصل بينهما دون أن يشير إلى ذلك، وكان لا بد من هذه الإشارة؛ لأن الكلمة أولًا من غريب الحديث، وثانيًا لأن أصله أوردها ضمن الأثر وشرحها، وذلك مثل كلمتي: الفجر والبجر، اللتين وردتا في خبر أبي عبيدة عن أبي بكر وقد دخل عليه في مرضه الذي مات فيه، فقال له كلامًا كان من بينه "إنما هو والله الفجر أو البجر"١. وقد أورد ابن الأثير الكلام الذي وردت فيه هاتان الكلمتان، وهو قوله في حديث أبي بكر رضي الله عنه: "لأن يقدم أحدكم فتضرب عنقه "في غير حد"٢ خير له من أن يخوض غمرات الدنيا، يا هادي الطريق جرت، إنما هو "والله" الفجر أو البجر" وقد شرحهما ابن الأثير بقوله: إن انتظرت حتى يضيء لك الفجر أبصرت قصدك، وإن خبطت الظلماء وركبت العشواء هجما بك على المكروه، ومع ذلك فقد أشار ابن الأثير إلى سبق ورود الأثر في مادة أخرى في كلمة بجر بالجيم٣.

وقد ضرب السيوطي صفحًا عن هذا كله، ولو أنه أشار إشارة موجزة إلى ما أشار إليه أصله لاستطاع الدارس أن يرجع إلى معنى الكلمتين في المادة السابقة وهي بحر فإنه ليس من شأن المراجع للكتاب بحثا عن معنى أثر غريب أن يرجع إلى مادة ما هو محتمل في الرواية إلى موضع الاحتمال الآخر دون تنبيه إلى ذلك.

ويتصل بذلك أنه يترك شرح بعض ألفاظ أوردها ابن الأثير وشرحها، وهي بما تختلف وجهة النظر في بيان المراد بها بين الحقيقة والمجاز أو الكناية، مثل "كف الرحمن"٤ التي وردت في حديث الصدقة، قال ابن الأثير في حديث الصدقة: "كأنما يضعها في كف الرحمن" هو كناية عن محل قبول الصدقة، فكأن المتصدق قد وصع صدقته في محل القبول، ثم نفى ما يقوله المشبهون، وأورد حديث عمر: "إن الله إن شاء أدخل خلقه الجنة بكف واحدة" وذكر عدة أحاديث وقال فيها: وقد تكرر ذكر الكف والحفنة واليد في الحديث، وكلها تمثيل من غير تشبيه.

والسيوطي قد أعرض عن هذا كله، ولم يسمح بذكره ولو في رأي آخر، مع أن الكلمة من الغريب، بل هي من أغرب الغريب في الحديث، فإذا كان منهجه ترك ذلك فهلا أشار إلى هذا المنهج -ولو في الخطبة- ليستبين القارئ طريقه في هذا الكتاب؟


١ الدر النثير ج٣ ص١٨٤.
٢ ما بين القوسين ليس موجودًا في النسخة التي بين أيدينا من النهاية وإنما هو مما أثبته المبرد في أوائل كتابه "الكامل".
٣ وردت في الدر النثير ص٦٠ ج١.
٤ الدر النثير ص٢٨ ج٤.

<<  <   >  >>