للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومقصودنا بالدراسة في هذا التمهيد بيان أن علم الحديث -منذ دون من عهد الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، ثم اطرد التدوين فيه في جميع البقاع الإسلامية- لم يقتصر المدونون على إيراد الأحاديث مجردة من غمز ما يستحق الغمز منها، وتناول علل بعضها، ونقد بعض رواتها.

وقد وجد في بعض هذه المدونات دراسات طويلة تتعلق بالإسناد ونقد الرواة وبيان الضعفاء كما في صحيح مسلم، فقد تقدم مؤلفه فيه بين يدي روايته للحديث بمقدمة طويلة تتعلق بتقسيم الأخبار النبوية، وبيان أحوال بعض الرواة، وتوجيه الاتهام إلى عدد منهم، مع بيان تفاوتهم في الضعف والنكارة، كما تناول موضوع اللقى والمعاصرة، ومناقشة من يشترطهما في اعتبار الحديث متصلًا، وما إلى ذلك من مسائل المصطلح.

وكذلك صنع الترمذي في جامعه، فقد وضع في آخره بحثًا واسعًا في بيان علل الحديث، وكثير من كتب الجوامع والسنن والمسانيد عرضت لتناول بعض الرواة، وأعلت ببعضهم بعض الأحاديث وكان من ذلك مادة لما وضع بعد من علوم المصطلح.

قال الأستاذ الدكتور عبد الوهاب عبد اللطيف في مقدمته للتدريب وهو يتحدث عما جمع من السنة النبوية في مختلف البلدان بكيفيات وصور مختلفة١.

ووجد في بعض هذه المصنفات حكم على بعض الأحاديث، وقول في علل المعلول "المعل"٢ ونقد لبعض الرواة، وجمع في تلك المصنفات أقوال العلماء في الإسناد، كما جمع ما بها من اصطلاحات المتقدمين فيما يتعلق بالأسانيد والمتون، ولما ظهر من الرواة صفات وأحوال لها مدخل في التعديل والتجريح اتسع النظر فيها وتتابعت الأفكار، وانتحى العلماء الفرز والاختيار، فتعمق البحث، وامتاز الصحيح من السقيم في الحديث، وألفت في أنواع علومه مؤلفات، بعضها في أحوال الإسناد، وبعضها في الرجال، وهو كتب التاريخ، والطبقات والوفيات، ومعرفة الوحدان، وما إلى ذلك.

وابتدأ ذلك التدوين في أبواب وبعض أنواع منه أثناء المائة الثالثة، فلما كانت المائة الرابعة واستقرت الاصطلاحات ألف القاضي أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي من علماء أهل السنة، المتوفى عام ستين وثلاثمائة للهجرة، فجمع في ذلك العلم الكثير.

وهنا نستطيع أن نرجع إلى نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر وشرحها للحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى عام اثنين وخمسين وثمانمائة للهجرة إذ يقول في صدر كتابه٣:


١ تدريب الراوي ج١ ص٤.
٢ المعل أصح هنا من المعلل والمعول لما سيجيء في الاعتراض الثالث تحت عنوان التقييد والإيضاح.
٣ شرح النخبة ص٢.

<<  <   >  >>