للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن هذه الأحاديث: حديث سهل بن سعد عن مروان بن الحكم عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم أملى عليه: "لا يستوي القاعدون من المؤمنين ... " فجاء ابن أم مكتوم. الحديث رواه البخاري والنسائي والترمذي وقال: حسن صحيح.

ومن ذلك: حديث السائب بن يزيد عن عبد الرحمن بن عبد القارئ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: من نام عن حزبه أو عن شيء منه ... فذكره، رواه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.

ومن ذلك: حديث جابر بن عبد الله عن أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق عن عائشة رضي الله عنها: "أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع ثم يكسل ... " الحديث. وهكذا.

وعلى أنه لا يخلو من فوائد أخرى يوردها، فقد كتب١ -مع هذه الوجازة الملموسة في كتابه- مناقشة طريفة تدل على قوة يقظته وشدة وعيه، عند قول ابن الصلاح: فالله أسأل أن يجعله مليًا بذلك وأملى، وفيا بكل ذلك وأوفى، يقول: استعمل المصنف هنا مليًا وأملى من غير همز على التخفيف، وكتبه بالياء لمناسبة قوله وفيا وأوفى، وإلا فالأول مهموز من قولهم ملأ الرجل -بضم اللام وبالهمز- أي صار مليئًا أي ثقة، وهو مليء بين الملاء والملاءة ممدودان.

ومن ذلك ما أورده العراقي عند قول ابن الصلاح في دراسة المعضل٢ تعليقًا عليه، قال ابن الصلاح: وأصحاب الحديث يقولون أعضله فهو معضل بفتح الضاد، وهو اصطلاح مشكل المأخذ من حيث اللغة، وبحثت فوجدت له قولهم: أمر عضيل أي مستغلق شديد، ولا التفات في ذلك إلى معضل بكسر الضاد وإن كان مثل عضيل في المعنى.

فقال العراقي: أراد المصنف بذلك تخريج قول أهل الحديث معضل بفتح الضاد على مقتضى اللغة، ثم زاده المصنف إيضاحًا فيما أملاه حين قراءة الكتاب عليه فقال: إن فعيلًا يدل على الثلاثي، قال: فعلى هذا يكون لنا عضل قاصرًا، وأعضل متعديًا وقاصرًا، كما قالوا ظلم الليل وأظلم الليل والليل.

ثم قال: اعترض عليه بأن فعيلًا لا يكون من الثلاثي القاصر، والجواب أنه إنما يكون من الثلاثي القاصر إذا كان فعيل بمعنى مفعول، فأما إذا كان بمعنى فاعل فيجيء من الثلاثي القاصر كقولهم حريص من حرص ... وأطال في ذلك.

وقد كان يمكن أن تضاف هذه الأمثلة إلى ما ذكرناه في الاعتراضات والإجابة عنها، ولكنا ذكرناها هنا للدلالة على توسعة في اللغة أيضًا.

وبعد فلعلنا بهذه الدراسة الموجزة لكتابي مقدمة ابن الصلاح وشرحها المسمى بالتقييد والإيضاح للحافظ العراقي نكون قد ألقينا ضوءًا مشرقًا ينبه إلى مكانة هذين الكتابين، وأنهما يستحقان مزيد عناية ممن يعنون بدراسة هذه العلوم، للانتفاع بهما فيما هم بصدده من هذه الدراسة.


١ التقييد والإيضاح ص١٣.
٢ التقييد والإيضاح ص٨١ وما بعدها.

<<  <   >  >>