للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بهذه المقدمة الأنيقية افتتح المؤلف كتابه مبينًا طريقته في تأليفه، وأنه شرح ما اشتملت عليه الألفية من قديم علم المصطلح وحديثه، ومزج بينهما بحيث لا تتخلص منه إلا بالتمييز؛ لأن في ذلك إبرازًا للمعاني وتوضيحًا لها، وتخلصًا من قيود النظم وتكلفاته، وأنه اهتم بناظمها في هذا الشرح أملًا في إدراك بركته، وقدم الضروري من هذا العلم في غير طول يمله الدارس، ولا قصر يخل بأداء الغرض المقصود من هذا الكتاب.

وفي دراستنا لهذا الكتاب وجدنا من الظواهر العامة ما نبرزه فيما يأتي:

١- يورد المؤلف في أثناء شرحه للألفية أقوال العلماء الذين يخالفهم في الرأي ويرد عليهم: ومن ذلك ما أروده في باب الصحيح الزائد على الصحيحين، عندما ذكر العراقي أن مستدرك الحاكم من بين الكتب التي يرد فيه الصحيح١ قال السخاوي: وقول أبي سعد الماليني إنه طالعه بتمامه فلم ير فيه حديثًا على شرطهما غير مرض، نعم هو معروف عند أهل العلم بالتساهل في التصحيح والمشاهدة تدل عليه.

وفي شرحه للأبيات التي تبين أن قول الصحابي: من السنة كذا أو أمرنا بكذا من المسند، وأن حكمه الرفع نقل نص الشافعي٢ على ذلك في الأم، وجزم البيهقي بنفي الخلاف عن أهل النقل فيه، وكذلك نقل أن ممن حكى الاتفاق على ذلك ابن عبد البر لكن في السنة، ثم بين وجه الحق في المسألة، وأن الخلاف ثابت فيها، وأن ابن دقيق العيد قيد محل الخلاف بما إذا كان المأمور به يحتمل التردد بين شيئين، أما إذا كان مما لا مجال للاجتهاد فيه كحديث: "أمر بلال أن يشفع الأذان" فهو محمول على الرفع قطعًا، وبعد أن أورد السخاوي كل هذا قال: وممن ذهب إلى خلاف ما حكيناه فيهما من الشافعية أبو بكر الصيرفي صاحب الدلائل، ومن الحنفية أبو الحسن الكرخي، وفي السنة فقط الشافعي في أحد قوليه من الجديد، ومن الحنفية أبو بكر الرازي، وابن حزم من الظاهرية وبالغ في إنكار الرفع ... وأورد دليله على ذلك، وتعليل الكرخي لأمرنا، وأنه متردد بين كونه مضافًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو إلى أمر القرآن، أو الأمة، أو بعض الأئمة، أو القياس أو الاستنباط، ثم فند أدلة الآراء المخالفة ورد عليها، وأيد رأيه بما رواه البخاري في صحيحه عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر أن الحجاج عام نزل بابن الزبير سأل عبد الله يعني ابن عمر رضي الله عنهما: كيف تصنع في الموقف يوم عرفة؟ فقال سالم: إن كنت تريد السنة فهجر بالصلاة يوم عرفة، فقال ابن عمر: صدق إنهم كانوا يجمعون بين الظهر والعصر في السنة.

قال الزهري: فقلت لسالم: أفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: وهي يتبعون في ذلك إلا سنته٣.


١ فتح المغيث ج١ ص٣٦.
٢ فتح المغيث ج١ ص ١٠٨.
٣ فتح المغيث ج١ ص١١١.

<<  <   >  >>