ثم ذكر المؤلف أن وراء هذا أن الكتاب المشهور الغني بشهرته عن اعتبار الإسناد منا إلى مصنفه -ككتاب النسائي مثلًا- لا يحتاج في صحة نسبته إلى النسائي إلى اعتبار حال الإسناد منا إليه إذا روى مصنفه فيه حديثًا ولم يعله، وجمع إسناده شروط الصحة، ولم يطلع المحدث فيه على علة، فما المانع من الحكم بصحته ولو لم ينص على ذلك أحد المتقدمين، لا سيما وأكثر ما يوجد من ذلك ما رواته رواة الصحيح، وفيهم الضابطون المتقنون الحفاظ، هذا لا ينازع فيه من له ذوق في هذا الفن، أفاده شيخنا ومن قبله ابن الناظر في ديباجه شرحه لأبي داود. ثم قال: ولعل ابن الصلاح اختار حسم المادة لئلا يتطرق إليه بعض المتشبهين، ممن يزاحم في الوثوب على الكتب التي لا يهتدي للكشف منها، والوظائف التي لا تبرأ ذمته بمباشرتها.
وللحديث رجال يعرفون به ... وللدواوين كتاب وحساب
ولذلك قال بعض أئمة الحديث في هذا المحل للذي يطلق عليه اسم المحدث في عرف المحدثين أن يكون كتب وقرأ وسمع ووعى، ورحل إلى المدائن والقرى، وحصل أصولًا، وعلق فروعًا من كتب المسانيد والعلل، والتواريخ التي تقرب من ألف تصنيف، فإذا كان كذلك فلا ينكر عليه ذلك، وأما إذا كان على رأسه طيلسان وفي رجليه نعلان، وصحب أميرًا من أمراء الزمان، أو من تحلى بلؤلؤ ومرجان، أو بثياب ذات ألوان، فحصل تدريس حديث بالإفك والبهتان، وجعل نفسه لعبة للصبيان، لا يفهم ما يقرأ عليه من جزء ولا ديوان، فهذا لا يطلق عليه اسم محدث بل ولا إنسان، وأنه مع الجهالة آكل حرام، فإن استحله خرج من دين الإسلام.
قال: والظاهر أنها نفثة مصدور، ورمية معذور، وبها يتسلى القائم في هذا الزمان بتحقيق هذا الشان مع قلة الأعوان، وكثرة الحسد والخذلان، والله المستعان، وعليه التكلان.
هذه الصورة لبعض ما أورده المؤلف في هذا الموضع أردت أن أنقله بنصه ليكون أمام القارئ محددًا معالم الصورة لبعض ما تعرض المؤلف له في شرح ألفية العراقي، مخالفًا ما وعد به في المقدمة من الاختصار في هذا الشرح، وقد كان رحمه الله في غنى عن التقيد بتكلفات السجع وقيوده، فكثيرًا ما تكون المعاني ضحية تلك التكلفات، وإن في بيانه الذي أورده بعد هذا، وأضاف به إلى ما سبق تأكيدات لما اختاره، وبما نقله عن العلماء في نحو خمس صفحات من هذا الكتاب أقول: إن في هذا لكفاية تغني الدارس في هذا المقام عن طلب المزيد مما هو إلى علوم الأدب والبيان أقرب منه إلى علوم الحديث.
٥- يورد المؤلف في أثناء الشرح تراجم قصيرة لبعض من ورد ذكرهم في الألفية ومن ينقل عنهم من العلماء، تعريفًا بهم، وتوثيقًا لما نقله عنهم.
ومن ذلك ما ذكره ترجمة للإمام فخر الدين١ فقد ذكر أنه الرازي نسبة: بإلحاق الزاي للري المدينة المشهورة من بلاد الديلم بين قومس والخيال، صاحب التفسير والمحصول ومناقب الشافعي