في عصر التابعين مدونة ولا مرتبة، ثم حدث في أواخر عصر التابعين أن دونت الآثار وبوبت الأخبار، عندما انتشر العلماء في الأمصار، وكثر الخوارج والروافض ومنكري الأقدار.
فأول من جمع في ذلك الربيع بن صبيح وسعيد بن أبي عروبة وغيرهما، وكانوا يصنفون كل باب على حدة إلى أن قام كبار الطبقة الثانية في منتصف القرن الثاني فدونوا الأحكام، فصنف ابن أبي ذئب بالمدينة موطأ، وصنف الإمام مالك موطأه بالمدينة كذلك، متوخيًا فيه القوي من حديث أهل الحجاز، ومزجه بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين ومن بعدهم، كما صنف ابن جريج بمكة، والأوزاعي بالشام، وسفيان الثوري بالكوفة، وحماد بن سلمة بن دينار بالبصرة، ومعمر بن راشد وخالد بن جميل باليمن، وجميل بن عبد الحميد بالري، وابن المبارك بخراسان، ثم تلاهم كثير من أهل عصرهم في النسخ على منوالهم في جمع الأحاديث مختلطة بغيرها من الآثار والفتاوى.
ثم رأى بعض الأئمة أن يفرد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، وكان ذلك على رأس المائتين، فصنف عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي مسندًا، وصنف مسدد بن مسرهد البصري مسندًا، وصنف أسد بن موسى الأموي مسندًا، وصنف نعيم بن حماد الخزاعي نزيل مصر مسندًا، ثم اقتفى الأئمة أثر هؤلاء السابقين في التصنيف على المسانيد، فكان مسند أحمد بن حنبل، ومسند إسحاق بن راهويه، ومسند عثمان بن أبي شيبة وغيرهم.
ومن العلماء من صنف على المسانيد والأبواب معا كأبي بكر بن أبي شيبة، ومنهم من رتب على العلل بأن جمع في متن كل حديث طرقه واختلاف الرواة فيه، بحيث يتضح إرسال ما يكون متصلًا، أو وقف ما يكون مرفوعًا أو غير ذلك، ومنهم من رتب على الأبواب الفقهية وغيرها ونوعه أنواعًا، وجمع ما ورد في كل نوع وفي كل حكم إثباتًا أو نفيًا في كل باب، بحيث تتميز أحكام الصوم عن أحكام الصلاة، ومن أهل هذه الطريقة من التزم الصحيح كالشيخين، ومنهم من لم يتقيد به كباقي الكتب الستة، ومنهم من اقتصر على الأحاديث المتضمنة للترغيب والترهيب، ومنهم من حذف الإسناد واقتصر على المتن كالبغوي في مصابيحه، واللؤلئى في مشكاته.
وأول من صنف في الصحيح المجرد محمد بن إسماعيل البخاري، وهو أصح كتاب عندنا بعد كتاب الله عز وجل، ثم صحيح مسلم بن الحجاج، ثم مسند أبي داود، وجامع الترمذي، وسنن النسائي، وسنن ابن ماجه، وهذه هي الكتب الستة الأصول وأشهر أمهات كتب الحديث.
ومن الكتب ما التزم مؤلفوها الصحة غير ما تقدم كصحيح ابن خزيمة، وصحيح ابن حبان وصحيح الحاكم، وصحيح الحافظ، النيسابوري -وهو من تلاميذ مسلم- وكتاب الأحاديث الجياد