وينبغي إذا طلب منه التحديث وفي المجلس من هو أولى منه أن يرشد إليه, فالدين النصيحة. أقول: ينبغي أن يكون هذا أدبا يحتذى لأهل العلم عامة فإذا سئل من هو أقل علما بحضرة من هو أكثر فليقدمه وليشر إليه قالوا: ولا يجوز أن يمتنع من تحديث أحد أو إفادته لكونه غير صحيح الفقه أوليس أهلا له؟ فعسى أن تخلص نيته وأن يصير أهلا لذلك, وليس أدل على هذا مما روي عن معمر وحبيب بن أبي ثابت قالا:"طلبنا الحديث وما لنا فيه نية فرزقنا الله النية", وقال معمر أيضا:"إن الرجل ليطلب العلم لغير الله فيأبى العلم حتى يكون لله".
وليحرص المحدث على نشر الحديث مبتغيا الأجر من الله ففي الصحيحين:"بلغوا عني ... " , "وليبلغ الشاهد الغائب" , وروى الحاكم في الأربعين مرفوعا:"من أدى إلى أمتي حديثا واحدا يقيم به سنة أو يرد به بدعة فله الجنة" , وروى البيهقي عن أبي ذر قال:"أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألا نغلب على أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونعلم الناس السنن"١.
"المسألة الثانية": يستحب للمحدث إذا أراد حضور مجلس التحديث أن يتطهر ويتطيب ويحسن من هيئته ويجلس جلسة وقار وهيبة, فقد كان الإمام مالك يفعل ذلك فقيل له فقال:"أحب أن أعظم حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا أحدث إلا على طهارة متمكنا", وكان يكره أن يحدث في الطريق أو وهو قائم, وكذلك كان قتادة لا يقرأ الأحاديث إلا على طهارة، وروي عن ابن المسيب أنه سئل عن حديث وهو مضطجع في مرضه, فجلس وحدث به فقيل له فقال: كرهت أن أحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا مضطجع, وسئل عبد الله بن المبارك عن
١ ذكر السيوطي هذين الحديثين ولم يبين درجتهما وسكت عنهما, انظر التدريب ص٣٣٦.