ابن أخطب رئيس بني النضير إلى بني قريظة في ديارهم سنة خمس من الهجرة، وظل يحرضهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قريش وغطفان حتى استجابوا له، ونقضوا العهد. فما كاد ينتهي من غزوة الأحزاب حتى جاءه الوحي بالمسير إلى بني قريظة، فقال لصحابته:"لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة" فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صحابته، وحاصرهم خمسا وعشرين ليلة، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرسل إلينا أبا لبابة ابن عبد المنذر نستشيره وكانوا حلفاء الأوس فلما رأوه قاموا في وجهه يبكون، وقالوا: يا أبا لبابة، أترى أن ننزل على حكم محم؟ قال: نعم: وأشار بيده إلى حلقه يقول إنه الذبح قال أبو لبابة: فوالله ما زالت قدماي من مكانها حتى عرفت أني خنت الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمدة وقال: لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله على مما صنعت، فتاب الله عليه، ثم إنهم نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقامت إليه الأوس، فقالوا: يا رسول الله.. قد فعلت في بني قينقاع ما قد علمت، وهم حلفاء إخواننا الخزرج، وهؤلاء موالينا، فأحسن فيهم فقال ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم؟ قالوا: بلى، قال: فذاك إلى سعد بن معاذ، قالوا: قد رضينا: فأرسل إلى سعد بن معاذ وكان في المدينة لم يخرج معهم لجرح كان به، فأركب حمارا، وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل الأوس يقولون له: يا سعد ... أجمل إلى مواليك فأحسن فيهم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حكمك فيهم، لتحسن فيهم، وهو ساكت لا يرد عليهم شيئا، فلما أكثروا عليه قال: لقد آن لسعد ألا تأخذه في الله لوة لائم، فلما سمعوا ذلك منه رجع بعض من كان معه من قومه إلى المدينة، فنعى إليهم رجال بني قريظة قبل أن يصل سعد إليهم، فلما انتهى سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قوموا إلى سيدكم" فأما المهاجرون من قريش فيقولون: إنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار، وأما الأنصار، وأما الأنصار فيقولون: قد عم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقاموا إليه، فلما أنزلوه قالوا: يا سعد.... إن هؤلاء القوم قد نزلوا على حكمك: وحكمي نافذ عليهم؟ قالوا: نعم، قال: وعلى المسلمين؟