يشبه عصر مالك عهد أبي حنيفة، إلا أنه أدرك من الدولة العباسية حظا أوفر؛ فقد كانت ولادته في عهد الوليد بن عبد الملك الأموي، وكانت وفاته في عهد الرشيد العباسي؛ فعاصر دولة بني مروان في عنفوان شبابها، وشاهد تداعي الدولة الأموية، وقيام دولة بني العباس على أنقاضها، ورأى موقف المهدي من الزنادقة في العراق، واستنصاره بالعلماء للقضاء على عقيدتهم، وأدرك الحضارة العباسية في أوج عظمتها. وقد امتزجت في مبادئها الإسلامية الحضارات الفارسية، والهندية، والرومانية.
وتمثل حياته في العهد الأموي فترة تكوين عقله وتفكيره وآرائه خلال أربعين سنة، وتمثل حياته بعد أن بلغ أشده في العهد العباسي فترة إنتاجه، والاستفادة من علمه، وتبادل ثمرات الفكرات مع الصحاب وتكوين التلاميذ.
ومع أن الإمام مالكا أدرك الدولة الأموية في عهد استقرارها بعد أن خمدت جذوة الفتن، إلا أن أنباء هذه الفتن قد تناقلت إليه، ورأي أثر الخوارج السيء في تسورهم المدينة وإزعاجهم أمن الناس، وإراقتهم للدماء بقيادة أبي حمزة فزاده ذلك نفورا منهم، وبغض إلى نفسه كل خروج على الحكام؛ ولذا كان يرى إصلاح الرعية أصلا لإصلاح الحكام. ونزع بطبيعته الهادئة إلى حياة الاستقرار، ولم يقف من بني أمية موقف بعض العلماء الآخرين الذين أنكروا عليهم جانبا من أعمالهم.
وربما سخط مالك في بداية الحكم العباسي الوقائع الدامية، ثم عاد إليه هدوءه بعد استقرار الأمور، ولكنه وجد في بني العباس الذين حرصوا على الاتصال بالعلماء رغبة في الاتصال به والاستماع لنصحه.