كان مالك أول من عرف بالتدوين والتأليف في الإسلام، لأن كتابه "الموطأ" أقدم مؤلف معروف وإن كان ينسب إليه غيره. قال القاضي عياض: وله تأليف غير الموطأ مروية عنه أكثرها بأسانيد صحيحة في غير فن من العلم؛ لكن لم يشتهر عنه غير الموطأ، وسائر تأليفه إنما رواها عنه من كتب بها إليه أو آحاد من أصحابه، ولم يروها الكافة، وأشهرها رسالته إلى ابن وهب في القدر والرد على القدرية، ثم ذكر منها ما نسب إليه في حساب النجوم، وما نسب إليه في تفسير غريب القرآن، ورسالته إلى هارون الرشيد في الآداب والمواعظ. والذي صحت نسبته لدى العلماء من غير تلك، هو "الموطأ" الذي ذاع وانتشر، وتناقلته الأجيال، وهو أول تدوين مأثور في الحديث والفقه، وإن كانت فكرة التدوين قد وجدت من قبل.
قال مالك في الموطأ رواية محمد بن الحسن:"أخبرنا يحيى بن سعيد أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزك: أن انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سنة أو حديث أو نحو هذا فاكتبه فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء".
ولكن أول تأليف جامع حفظته الأجيال هو الموطأ.
ويذكر أهل السير أن جمع مالك للموطأ كان بناء على طلب أبي جعفر المنصور إذ قال له: اجعل العلم يا أبا عبد الله علما واحدا؛ فقال له مالك: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في البلاد فأفتى كل في عصره بما رأى، وإن لأهل هذا البلد -أي مكة- قولا، ولأهل المدينة قولا، ولأهل العراق قولا، قد تعدوا فيه طورهم، فقال: أما أهل العراق فلست أقبل منهم صرفا ولا عدلا١؛ وإنما العلم أهل المدينة، فضع للناس العلم، فقال له مالك: إن