للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} ١. وقال تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَه} ٢ فإنما الناس تبع لأهل المدينة، إليها كانت الهجرة، وبها تنزل القرآن، وأحل الحلال وحرم الحرام؛ إذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم يحضرون الوحي والتنزيل، يأمرهم فيطيعونه، ويسن لهم فيتبعونه، حتى توفاه الله، واختار له ما عنده، صلوات الله وسلامه عليه ورحمته وبركاته.

ثم قام من بعده أتبع الناس له من أمته ممن ولي الأمر من بعده بما نزل إليهم، فما علموا أنفذوه، وما لم يكن عندهم فيه علم سألوا عنه، ثم أخذوا بأقوى ما وجدوا في ذلك في اجتهادهم، وحداثة، وحداثة عهدهم وإن خالفهم مخالف، أو قال امرؤ: غيره أقوى منه وأولى، ترك قوله وعمل بغيره.

ثم كان التابعون من بعدهم يسلكون تلك السبل، ويتبعون تلك السنة؛ فإذا كان الأمر بالمدينة ظاهرا معمولا به، لم أر لأحد خلافه، للذي في أيديهم من تلك الوراثة التي لا يجوز انتحالها ولا ادعاؤها، ولو ذهب أهل الأمصار يقولون: هذا العمل ببلدنا، وهذا الذي مضي عليه من مضى منا لم يكونوا فيه من ذلك على ثقة، ولم يكن لهم من يجيزه لهم.

فانظر رحمك الله فيما كتبت إليك لنفسك، واعلم أني أرجو ألا يكون قد دعاني إلى ما كتبت به إليك إلا النصيحة لله وحده، والنظر لك والضن بك فأنزل كتابي منزلته؛ فإنك إن تعلمت تعلم أني لم آلك نصحا، وفقنا الله لطاعته وطاعة رسوله في كل أمر، وعلى كل حال، والسلام عليك ورحمة الله".

وقد ورد عليه الليث بن سعد في رسالة طويلة، أثنى عليه فيها، ثم بين له تفرق السحابة في الأمصار، وأنهم اختلفوا في الفتيا، كما اختلف التابعون ومن بعدهم، وذكر له كثيرا من الأمثلة الدالة على ذلك مما فيه مخالفة لأهل المدينة.


١ التوبة: ١٠٠.
٢ الزمر: ١٧، ١٨.

<<  <   >  >>