هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود بن غافل الهذلي حليف بني زهرة، وقد ينسب إلى أمه؛ فيقال ابن أم عبد، جاء ابن مسعود من هذيل إلى مكة، بعد وفاة أبيه يطلب الكسب، فاشتغل برعي الغنم لعقبة بن أبي معيط، والتقى به رجلان، كلمه أحدهما كلاما عذبا، ورأى منه ما سره، ثم أدرك أنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صاحبه أبي بكر؛ فإذا به يأتي إلى عقبة ويترك له أغنامه، وينصرف باحثا عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى يجده، ويسأله أن يعلمه من الكلام الذي سمعه منه فيخبره عليه الصلاة والسلام بدعوته؛ فيدخل فيها ويسلم، ويقول له الرسول صلى الله عليه وسلم "إنك غلام معلم" ويصبح سادس المسلمين، يقول ابن مسعود: لقد رأيتني سادس ستة، ما على ظهر الأرض مسلم غيرنا، وكان أول من جهر بالقرآن وأسمعه قريشا، إذا اجتمع يومًا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط، فهل من رجل يسمعهم؟ فقال عبد الله بن مسعود: أنا؛ فقالوا: إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه، قال دعوني، فإن الله سيمنعني، فإذا ابن مسعود حتى المقام في الضحى، وقريش في أنديتها؛ فقام عند المقام ثم قرأ:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم} رافعا بها صوته، {الرَّحْمَنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ} ثم استقبلهم يقرؤها، فتأملوه قائلين: ماذا يقول ابن أم عبد؟ إنه يتلو بعض ما جاء به محمد، فقاموا إليه وجعلوا يضربون وجهه وهو ماض في قراءته، حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ، ثم عاد إلى أصحابه مصابا في وجهه.