للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[فقه الشافعي]

كان الشافعي يعد من أصحاب مالك، يدافع عن آرائه، ويناهض أهل الرأي

دفاعا عن فقه أهل المدينة، إلى أن أقام ببغداد في رحلته الأولى إليها سنة ١٨٤هـ بعد وفاة أبي يوسف بسنتين، ودرس على محمد بن الحسن كتبه، وجادل أهل الرأي وناظرهم، فخرج من ذلك بمزيج من فقه أهل العراق وأهل المدينة، واتجه اتجاها فقهيا جديدا متميزا، في ثلاثة أدوار من حياته:

١- أقام بمكة بعد مغادرته بغداد في رحلته الأولى إليها، وهي أخصب مدة في حياته العلمية، واتخذ له حلقة في المسجد الحرام، واتجه تفكيره إلى البحث في الكليات، يدارس تلاميذه طرائق الاستنباط ووسائله، ويوازن بين المصادر الفقهية ويتعرض للفروع بمقدار ما يوضح نظرياته.

ومن الراجح أن الرسالة التي كتبها إلى عبد الرحمن بن مهدي كانت ثمرة هذا الدور؛ حيث كتب عبد الرحمن بن مهدي إلى الشافعي أن يضع له كتابا فيه معاني القرآن، ويجمع فيه فنون الأخبار، وحجة الإجماع، وبيان الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة.

٢- وقدم الشافعي بغداد سنة ١٩٥هـ ونشر أصوله في حلقات درسه. وتذكر بعض الروايات أنه قدم بغداد مرة ثالثة سنة ١٩٨هـ.

قال أبو ثور: لما قدم علينا الشافعي، دخلنا عليه، فكان يقول: إن الله تعالى قد يذكر العام ويريد به الخاص، ويذكر الخاص ويريد به العام، وكنا لا نعرف هذه الأشياء؛ فسألنا عنها فقال: إن الله تعالى يقول: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُم} ١ والمراد أبو سفيان، وقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} ٢ فهذا خاص، والمراد عام، وهذا كلام في الأصول ما كانوا يعلمون به قبل الشافعي.

وأخذ الشافعي في هذه المرحلة يستعرض آراء الفقهاء، ويرجح على مقتضى هذه الأصول، ويختار من بينها ما هو أقرب لها، ويخرج عنها جميعا برأي جديد إن لم يجد واحدا منها ينطبق على أصوله.


١ آل عمران: ١٧٣.
٢ الطلاق: ١

<<  <   >  >>