للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[محنته وأخلاقه]

وكان أبو حنيفة جريئا في الحق، شأن علماء عصره، فأصابه من جراء ذلك البلاء.

أراد منه عامل مروان على العراق يزيد بن عمر بن هبيرة، أن يلي له قضاء الكوفة؛ فأبى فضربه مائة وعشرة أسواط في كل يوم عشرة، وهو على الامتناع؛ فلما رأى تصميمه على الرفض خلى سبيله.

وأشخص الخليفة أبو جعفر المنصور من الكوفة إلى بغداد، وأراده على أن يلي القضاء، فأبى، فحلف عليه ليفعلن، فحلف أبو حنيفة ألا يفعل؛ فقال له حاجب الخليفة، ألا ترى أمير المؤمنين يحلف؟ فقال أبو حنيفة: أمير المؤمنين على كفارة أيمانه أقدر مني على كفارة أيماني، وأبي أن يلي، فأمر به إلى الحبس. هكذا كان بلاؤه في دولة العباسيين كبلائه في دولة الأمويين.

وقد ذكرت كتب المناقب كثيرا من أخلاق أبي حنيفة الحميدة، وما كان عليه من ورع، وفطنة وذكاء، ومواساة لإخوانه، وصلابته في الحق.

بلغ من خوفه الله تعالى، أنه قام ليلة بهذه الآية: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ،} ١ يرددها ويبكي ويتضرع.

ودخل الخوارج يوما مسجد الكوفة، وأبو حنيفة وأصحابه جلوس، فقال أبو حنيفة لأصحابه: لا تبرحوا فجاءوا حتى وقفوا عليهم، فقالوا لهم: ما أنتم؟ فقال أبو حنيفة: نحن مستجيرون، فقال أمير الخوارج: دعوهم وأبلغوهم مأمنهم.


١ القمر: ٤٦.

<<  <   >  >>