ومن مظاهر عصر أبي حنيفة غلبة الموالي على العلم عامة، والفقه خاصة، فإن إدراك العلم صناعة وفن، والموالي أقرب إلى إدراك هذا بحكم بيئتهم؛ بينما العرب على فطرتهم وربما كانت مسارعة الموالي إلى ذلك تطلعا منهم إلى إحراز فضيلة العلم، حتى ينالوا بهذا شرفا يرفع مكانتهم، ورغبة في أن يسهموا بنصيب وافر في حضارة الإسلام.
جاء في العقد الفريد: أن ابن أبي ليلى قال: قال عيسى بن موسى، وكان ديانا شديد العصبية "من الأمراء العباسيين" من كان فقيه البصرة؟ قلت: الحسن بن أبي الحسن، قال: ثم من؟ قلت محمد بن سيرين. قال: فما هما؟ قلت: موليان. قلت: فمن كان فقيه مكة؟ قلت: عطاء بن أبي رباح، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وسليمان بن يسار، قال: فما هؤلاء؟ قلت: موال. قال: فمن فقهاء المدينة؟ قلت: زيد بن أسلم ومحمد بن المنكدر، ونابع بن أبي نجيح، قال: فمن هؤلاء؟ قلت: موال، فتغير لونه، ثم قال: فمن أفقه أهل قباء؟ قلت: ربيعة الرأي، وابن أبي الزناد. قال: فما كانا؟ قلت: من الموالي، فأريد وجهه، ثم قال: فمن فقيه اليمن؟ قلت: طاوس، وابنه وابن منبه. قال: فمن هؤلاء؟ قلت من الموالي، فانتفخت أوداجه، وانتصب قاعدا، وقال: فمن كان فقيه