الخوارج من أشد الفرق الإسلامية دفاعا عن مذهبها وحماسا لآرائها، وغلوا في عبادتها، وتضحية في سبيل عقيدتها، أخلصوا لباطلهم إخلاصًا معدوم النظير، كان أكثرهم من العرب الخلص الذين ألفوا الخشونة وشظف العيش، فتطرفوا في آرائهم المنحرفة، وجادلوا خصومهم بفصاحة بيان، وطلاقة لسان، وأخذوهم بعنف وقسوة.
ويرى الخوارج أن عليا أخطأ في التحكيم؛ لأنه يتضمن شك كل فريق من المحاربين أيهما المحق؟ وليس الأمر كذلك، فإنهم حاربوا وهم مؤمنون أن الحق في جانبهم، وقالوا:"لا حكم إلا الله" فسرت هذه الجملة إلى من يعتنق هذا الرأي، وأصبحت شعارا لهم.
وقد طلبوا من على أن يحكم على نفسه بالخطأ ... بل بالكفر لقبوله التحكيم، ويرجع عما أبرم مع معاوية من شروط، فأبى على ذلك؛ لأنه لم يشرك بالله شيئا منذ آمن، وكيف يرجع عن اتفاق أمضاه، فاستمروا على عنادهم ومضايقتهم له؛ فإذا خطب في المسجد قاطعوه بقولهم:"لا حكم إلا الله" ولما يئسوا من رجوعه إلى رأيهم اجتمعوا في منزل أحدهم وخطب خطيبهم يقول:
أما بعد.... فإنه ما ينبغي لقوم يؤمنون بالرحمن وينيبون إلى حكم القرآن أن تكون هذه الدنيا آثر عندهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقول الحق، وإن من١ وضر؛ فإنه من يمن ويضر في هذه الدنيا، فإن ثوابه يوم القيام رضوان الله عز وجل والخلود في جناته، فاخرجوا بنا إخواننا من هذه القرية الظالم أهلها إلى بعض كور الجبال، أو إلى بعض هذه المدائن منكرين هذه البدع المضلة.