تدل الآثار الواردة عن الصحابة بأنهم كانوا يشيرون بقلة الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خشية الوقوع في الكذب أو الخطأ، لكثرة ما روى، وإدارك كل واحد من الصحابة ما لم يدركه الآخر، وقد أدى بهم هذا إلى التحري فيما يروى، والتثبت من صحته؛ حتى كان أبو بكر وعمر يطلبان ممن روى حديثا أن يأتي بشاهد يشهد له، ولعل من بواعث هذا كذلك أنهم كانوا يخشون من كثرة الرواية أن تصدهم عن القرآن الكريم:
أ- روى الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ قال: ومن مراسيل ابن أبي مليكة: أن الصديق جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال: "إنكم تحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشد اختلافا؛ فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه".
ب- وروي عن قرظة بن كعب قال:"خرجنا نريد العراق؛ فمشى معنا عمر إلى حراء، ثم قال: أتدرون لم مشيت معكم؟ قالوا: نعم، نحن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مشيت معنا؛ فقال: إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل، فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم، جودوا القرآن، وأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، امضوا وأنا شريككم"؛ فلما قدم قرظة، قالوا:"حدثنا؛ فقال، نهانا عمر". وروي ذلك الدارمي في سننه.
جـ- وعرف عن ابن مسعود أنه كان يقل الرواية؛ فروي عن أبي عمر الشيباني قال: كنت أجلس إلى ابن مسعود حولا لا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذته الرعدة وقال: "هكذا" أو "نحو ذا" أو "قريب من ذا".