أشرنا من قبل إلى أن المسلمين قد انقسموا إلى أحزاب ثلاثة: الشيعة، والخوارج، والجماعة. وكانت أول مسألة اشتد فيها الخلاف بين المسلمين، وتشعبت فيها آراؤهم، ولم يكن أصل الخلاف عليها وليد فتنة عثمان، ولكنه يمتد إلى بذرته الأولى منذ شعر المسلمون عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرورة التفكير فيمن يخلفه، وأسرع الأنصار قبل دفنه إلى عقد اجتماع في سقيفة بني ساعدة، ليبتوا في الأمر، وأدركهم أبو بكر وعمر، وأبو عبيدة بن الجراح، وفي هذه السقيفة رأي الأنصار أنهم أولى بالخلافة، ورأى المهاجرون أن تكون الخلافة فيهم. ولم يلبث الأمر حتى تمت البيعة لأبي بكر، ثم تكونت نواة رأي ثالث، وهو أن تكون الخلافة في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وفي علي خاصة لقرابته، وسبقه، وجهاده وفضله، وعمله، أما رأي الأنصار فقد خمد بعد اقتناع وتسليم، وسكنت النظرية القائلة بأولوية على في عهد أبي بكر وعمر، لما كان عليه الخليفتان من عدل وإنصاف وبعد عن معاني العصبية؛ فلما كانت خلافة عثمان رضي الله عنه واستعان بالأمويين أثارت عصبيتهم تبرما يجنح إلى على، وبقتل عثمان ومبايعة علي رضي الله عنه تحققت نظرية القائلين بحق علي في الخلافة؛ ولكن النزاع الذي تشب بينه وبين معاوية، وانتهى بقصة التحكيم، ثم سيطرة معاوية أدى إلى الانقسام الثلاثي الذي ذكرناه آنفا.
ولم يكن شر هذا الانقسام إلى: شيعة، وخوارج، وجماعة، قاصرا على الضرر المادي في حياتهم؛ بل نشأ شيء آخر ليس أقل من ذلك خطرا، وهو اختلاف المسلمين في الرأي، وتفرقهم في الدين نفسه فجعل بعضهم يكفر بعضا، ويسيء الظن فيه، وقامت الحياة بينهم على السيف أحيانا في ثورات متلاحقة، قابلها